السّلطة تُثبٌت "وشم العار" على جبينها!

الحركة القضائية التي طال انتظارها بعد احتجاب لسنة كاملة كشفت عن وجه غير مسبوق في الانحراف بمبادئ الاستقلالية والكفاءة والنزاهة والحياد والمساواة... القراءة الأولية للحركة تُمكن بوضوح من معاينة فظاعات كبيرة لا تُحصى سيكون لها ٱثار فورية ومباشرة على جودة العدالة وحريات الناس وحقوق العباد.

أهم ما يميز هذه الحركة هو أنها:

أولا - حركة الإصرار على الظلم وخرق القانون وازدراء القضاء:

بعدم تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية لفائدة 49 قاضيا تم إعفاؤهم ظلما وعدوانا...لكن لأول مرة يصدر عن الرئيس ما يؤكد بوضوح أنه هو من يقف وراء تعطيل التنفيذ، فقد سبق للمجلس المؤقت أن أبرأ ذمته جزئيا وأحال منذ السنة الماضية مشروع الحركة متضمنا لمقترح إدراج القضاة المعفيين الحاصلين على أحكام صلبها لكن الرئيس رفض ذلك وأعاد مشروعها للمجلس...

ثانيا - حركة التمكين التام للسلطة الحاكمة في القضاء:

بإتمام استيلائها على مفاصله وأهم الخطط والوظائف القضائية خصوصا بتفقدية القضاة وأكبر المحاكم والدوائر الجنائية وقضاء التحقيق والنيابة العمومية...وذلك من خلال الاستبعاد الواسع لكل من عرف باستقلاليته وقوة شخصيته وصعوبة رضوخه للتعليمات من تولي الخطط الهامة...وإفراغ الخطط والوظائف المشغولة لقضاة جدد انتقتهم السلطة خصيصا لها حسب رغبتها وطبق مصلحتها…

ثالثا - حركة انتقام وعقاب:

من كل من قاوم نزعة الغطرسة لدى السلطة وأعلى صوته رفضا لوضع يدها على القضاء وشارك في الاحتجاجات الرافضة لمذبحة القضاة والمنددة بعدم تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية الصادرة لفائدة 49 قاضيا...تكفي الإشارة إلى استهداف القامات القضائية الكبرى بالنقلة من محكمة التعقيب كأحمد الرحموني (إلى المحكمة العقارية دون طلب) وروضة القرافي (إلى باجة) الرئيسين الشرفيين لجمعية القضاة ومحمد العفيف الجعيدي (إلى سليانة) وغيرهم كثيرون جدا، ونقلة العديد من الأصوات القوية الحرة المعروفة باستقلاليتها من أماكن عملها دون طلب كليلى الزين (الوكيلة العامة من بنزرت إلى باجة) وأحمد رزيق ( من رئيس أول لاستئناف المنستير إلى سيدي بوزيد) وأنيسة التريشيلي (من استئناف تونس إلى استئناف جندوبة) وإيمان العبيدي (من استئناف تونس إلى استئناف سليانة) وغيرهم...في عملية تجريف واسعة لم تترك قاضيا صلبا محترما إلا عاقبته بشكل أو بٱخر...وقد استخدمت السلطة فيما استخدمت - احتيالا وتضليلا وانتقاءً - مفهوم "مصلحة العمل" سيء الذكر والصيت...وما من مصلحة في النقلة إلا مصلحة الحاكم!

رابعا - حركة تستهدف إقصاء أعضاء محتملين بالمحكمة الدستورية، وذلك بنقلة عدد من رؤساء الدوائر بمحكمة التعقيب إلى محاكم أخرى حتى لا ينال أقدمهم (من المستقلين) تلك العضوية رغما عن السلطة وينالها من ترضى عنه منهم...الاطلاع على قائمة رؤساء الدوائر المغادرين كفيل بكشف "البروفيلات" المستقلة المرفوضة من قبل السلطة…

خامسا - حركة مكافأة لعدد هام من قضاة الموالاة والتبعية إما لقاء مواقفهم أو لقاء أداءهم في الملفات القضائية انسجاما مع توجهات السلطة وقراراتها...وتوجد في الحركات أسماء معروفة للقاصي والداني وتثير مكافأتها موجة كبيرة من القرف والسخرية لدى القضاة أنفسهم…

سادسا - حركة تتعقب الملفات والقضايا بعينها وتعين لها القضاة المناسبين:

تنبئ العديد من التعيينات في خطط قضائية معينة بمحاكم تونس خصوصا بوجود رغبة مكشوفة في تعهيد قضاة بعينهم بملفات سياسية بعينها تبعا لاستجابة القضاة المذكورين للشروط المطلوبة من السلطة في مثل تلك القضايا...وستكون مجريات ومٱلات القضايا السياسية مجرد تصديق على تلك الاختيارات المدروسة…

سابعا - حركة إعلان حرب صريحة:

لئن حاولت السلطة في ملف الإعفاءات المخاتلة والتعويم والتضليل لإخفاء استهدافها القضاة على خلفية استقلاليتهم ازاءها ورفضهم التعليمات ومقاومتهم سيطرتها، إلا أنها هذه المرة وبعد فشل محاولتها وانكشاف حيلتها للناس قررت اللعب بوجه مكشوف واستهدفت في الحرمة "أعداءها" وخصومها من القضاة بالنقلة العقابية الواضحة والمكشوفة، ومتعت "أبنائها" بالمكافٱت الصريحة دون مواربة أو تغليف...وهي نقلة نوعية في التعاطي القضائي تنزع نحو التمترس مباشرة بالقوة الباطشة فيما يبدو تخليا واضحا عما تبقى من عقل وحياء وعن كل التبريرات الأخلاقية الجوفاء التي فقدت كل مصداقيتها…

السلطة قررت إذن مسخ وجهها من أجل التمكين.

ثامنا - حركة الاستيلاء المجلس المؤقت بالكامل:

شملت النقلة بصفة مفاجئة وغريبة وخلاف الأصول عضوين بالصفة في المجلس المؤقت للقضاء معينين قبل حتى تركيز المجلس المؤقت للقضاء وهما وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب فتحي عروم، ورئيس المحكمة العقارية أحمد الحافي، وقد كانا حسبما يتداول - رغما عن تبعية المجلس الكبيرة للسلطة - عنصرا توازن وعقل داخله، وستسمح مغادرتهما لرئيس الجمهورية مستقبلا بتعيين من يراه من التابعين له بدلهما والتمكن من الأغلبية ومن ثمة إحكام السيطرة على المجلس وبالتالي التصرف التام لا في التعيينات القضائية فحسب، بل بالتصرف في المسارات المهنية للقضاة وكامل الشأن القضائي بمفرده...وهذا أخطر ما جاء بالحركة القضائية…

ما جاءت به الحركة القضائية مُعوّما في ترضيات فردية واسعة أو في ما يشبه "رِشَى" جماعية مكشوفة هو أشنع مما جاءت به حركة بشير التكاري لسنة 2005 في عهد الديكتاتور بن علي التي عاقبت وشردت عشرات القضاة على خلفية مواقفهم من الانقلاب على جمعية القضاة، لأنها اليوم تستهدف نفس الطينة من القضاة وتستعيد التاريخ بسيناريو مسقط وتنفيذ بدائي وفي شكل مهزلة…

حركة القضاة لهذه السنة هي أبشع حركة قضائية في تاريخ القضاء التونسي، وستُرى نتائجها الكارثية عيانا...إذ ما عاد للكلام من معنى في زمن العبث والجنون والاستبداد…

قراءة ما جاءت به الحركة القضائية 2022 - 2024 لا تكفيه ليلة واحدة ولا تسعه الليالي الطوال…

ما ندونه بخصوصها هو مجرد استنتاجات بسيطة ومعاينات أولية لا تخفي على الناس...أما "دُمّار" الحركة فنحكيه "لحفار قبورنا"!

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات