لقد كان انقلابا طبقا لما قلناه في لحظتها...لحظة إلقاء الخطاب...وطبقا لما حذرنا منه ومن مسالكه ومقدماته لسنوات قبلها ...ولم تفعل الأيام والشهور الموالية سوى التصديق التام وبيان الأدلة وتقديم دروس تطبيقية باهضة جدا حول مفهوم الانقلابات وأدواتها وسيناريوهاتها ومظاهرها ونتائجها ومخاطرها والدمار الواسع الذي ينجر عنها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا…
لقد انطلق خصوصا بتجميد البرلمان عنوان الإرادة الشعبية، وبإعلان ترؤس النيابة العمومية وها هو يرأسها فعليا منذ ذلك اليوم إلى الٱن بواسطة وزيرة العدل، وها هي النيابة العمومية "المستقلة" و الموقرة" ترزح بالكامل - الا ما رحم ربك - تحت كلاكل السلطة" السياسية وتستعيد صورة "المُغرّق" وتلعب - بدل السهر على حسن تطبيق القانون - الأدوار الشريرة في "صناعة" القضايا وتوليدها للمعارضين والمخالفين والمناوئين وخصوصا أولئك الذين قالوا أنه انقلاب (وهو دليل أو اعتراف إضافي أنه كذلك)…
لقد تحولت البلاد بفعل القضاء - وظيفة وبتبعية النيابة العمومية إلى سجن كبير، وتحول العمل السياسي والنقابي والمدني وحتى الاجتهاد القضائي والتعبير الحر إلى جرائم إرهابية وفساد مالي واعتداءات على أمن الدولة...، واستحالت الحياة العامة محكمة كبيرة والفاعلين فيها إلى مجرمين وملاحقين وأعداد قضايا وعناوين إخبارية في الإيداع والإفراج والانتهاك والاحتجاج والاستغاثة والإضراب عن الطعام…
لم نكن نحتاج كل هذه الخسائر لندرك أنه انقلاب، لكن ربما الكثير منا كان يحتاج إلى كل هذا الخراب ليقضم أصابعه ندما على التفريط في مكاسب الحرية والديمقراطية وعلى خوض المعارك التافهة وتأجيج الخلافات الإيديولوجية وتسخير النفس لفائدة المنظومة الاستبدادية…
عامان يبدوان كافيين لينتهي الدرس...لكن لا أحد يدري كم يلزم من الوقت لفهمه واستيعابه، وكم يلزم من الوقت والجهد والوعي للعمل به…