ماذا يعني ان نتكلم "الان"؟

من الواضح ان العنوان مأخوذ من كتاب لبورديو "ماذا يعني ان نتكلم"؟، اظفت اليه " الان" . حتى نذهب سريعا الي جوهر الموضوع: علينا ان نكُف عن استعمال التعريف الذي كرسه دي سوسير للكلام بما هو الاستعمال الفردي للغة. ليس الفرد فاعلا للكلام وانما هو بروليتاري بلا راتب في سوق الكلام، لا يمكن فهم قيمة ما يُنتجه الا ضمن اقتصاد سياسي للكلام.

علينا فهم ما يُقال في الفايسبوك على انه منتوجات في فضاء، تتصارع فيه وعليه قوى تحكمها علاقات قوة واستراتيجيات هيمنة: ان من تنتشر بضاعته اكثر هو "رأسمالي" الفايسبوك. ان ما تقوم به وسائل الاعلام الغربية وما يقوم به الفايسبوك من حضر لمواد تتعلق بالإبادة الحاصلة الان، يُدلل على الحرب من اجل السيطرة على اسواق الصورة والمواد الرمزية.

نحن ادن ازاء سوق بأتم معنى الكلمة. الفايسبوك يعمل كحقل، أي كشكل من التواجد الاجتماعي له قوانينه وطقوسه، وما نقوله هو "الهابيتوس" الدي تعوّدنا عليه. هدا الاخير هو اولا انتاج لعملية تنشئة،ثم يتحول الي طبيعة ثانية، ثم تتطور وتُقيم ويُعترفُ بها داخل حقل السوق المركزية للكلام، فيُصبحُ المرء، مثلا، "عالم كرة قدم".

وهو[ الهابيتوس]، ثانيا، انتاج سياسي واجتماعي، تُشرفَ عليه قوى غير مرئية، هي من يتحكم في الاقتصاد والمال والسياسة. ان ما ننشره هو ما هو منتشر بقوة الخطاب والمال والاعلام.في زمن " الامبراطورية"، وقع تجاوز السيطرة الي الهيمنة، هناك ما يسميه م. فوكو " البيو_بوليتيك"، أي اختراق السلطة للجسد وتحويله الي اداة.

ان نتكلم تعني ادن ان "نعمل"، بلا مقابل، في سوق المبادلات الرمزية. "رمزية"، تُؤخد في مقابل مادية، أي لها علاقة بالقيمة والمعنى. فما الدي يجعل الكلام له قيمة ومعنى؟ هو ان يعبر عن قضية انسانية سامية، ماعدا دلك هو نثر يومي. ولكن هدا النثر اليومي خطير عندما يتحول الي كومة فضلات تغطي القيم السامية.

وعلينا ان نسال: ما قيمة القيمة؟ كل قضية او فعل يتوقف عليه وجود كاءنات بشرية من عدمها هي قضية ذات قيمة سامية. قيمة القيمة هي ان تجعلنا ندرك درجة الخطورة في الفعل. وليس عبثا ان اللغة العربية تجعل لفظ خطير دال على الامر الرفيع والمُهلك في الان نفسه.

ولكن ما الدي في "الان" يجعل للكلام خطورة؟ عندما تقول جماعة ما "الان"، انما تُعبر عن انخراطها في نفس المكان والزمان، وبالتالي وقوعها تحت قدر واحد او خطر واحد. تعني "الان"، عندما ينطقها الفرد، اقراره بوقوعه تحت نفس الخطر الدي تمر به جماعة ما.

هكذا يصبح الكلام "الان" عن الابادة، في زمن تواجه فيه كائنات انسانية خطر الفناء، هو اعلان عن الانتماء لنفس الفضاء الاخلاقي والروحي لتلك الجماعة: فضاء الانسانية. وهدا ما يمنح الكلام معنى. ان نتكلم عن الابادة هو فعلا ان نقول شيئا. "شيئا"، هنا تعني معنى.

اما الكلام الدي لا يشير الي الابادة فهو ستار اسود يجعل الجريمة غير مرئية. الامر شبيه بإطفاء الضوء على شارع تتمُّ فيه عملية قتل .عندما نُثرثر حول قصصنا الصغير والتافهة التي تُشكل نسيج النثر اليومي، في الوقت الدي يواجه فيه اكثر من مليوني انسان خطر الفناء، دلك صمت وتطبيع مع الجريمة، وبشكل ما : تواطؤ، وفي الاخير انتصار لاحد ارباب سوق الكلام العالمي. من يُثرثر في وقت تحدث فيه ابادة لكائنات بشرية هو مُتطوّع بلا مقابل لدى قاتل بلا رحمة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات