استطاعت بعض الدّول الأوروبّيّة، فعل مالم يفعله أشقّاء الدين والدّم والجوار في قممهم، كما استطاعت شعوب كثيرة في الغرب التّأثير على حكومات بلدانهم، على خلاف الشّعوب العربيّة والإسلاميْة. على وقع مظاهرات حاشدة في الغرب ، دعت دول اوروبّيْة إلى وقف العدوان على غزْة، فيما يبدو أنّه تحوّل من الأقوال إلى بداية أفعال ،قد يكون ذلك إيمانا بأنّ الحرب على غزّة قد تجاوزت كلّ الخطوط الحمر أو حفظا لماء الوجه أمام شعوبهم التي باتت توجّهم لهم صراحة تهمة التّواطئ والتّنّكّر لميراث الحقوق و والمبادئ الإنسانيّة.
أمّا أشقّاء الهويّة والجوار ، فما زال بعضهم غارقا في صمت عاجز إزاء نزيف الدّم الفلسطيني، وبعضهم مازال يحتفظ بعلاقة التّطبيع مع الكيان من دون خجل والبعض الآخر، يتحيّن الفرص للإلتحاق بركب المطبّعين، ويقدّم بوادر سوء النّيّة بالشّعب الفلسطيني وقضيته العادلة، هدايا وصفقات واستثمارات ولا كسرة خبز حاف للأشقاء الذين يتضوّرون جوعا ويتساقطون في الشّوارع من شدّة الجوع ومن تعب النزوح اليومي من مكان لآخر، بحثا عن شبر آمن في جغرافيا غزْة المدمّرة ولا أمن ولا رغيف خبز.
يشهد الإتْحاد الأروبّي حراكا غير مسبوق انسجاما مع الحراك المجتمعي الرّافض لحرب الإبادة والتّجويع ،حيث اتّخذ خطوة على طريق الإنتقال من الأقوال نحو بداية الأفعال، ودعت بعض دوله إلى مراجعة اتّفاق الشّراكة التّجاريّة مع الكيان، جاء ذلك تزامنا مع البيان الجماعي لدول: إيسلندا و إيرلندا واللّوكسومبورغ و إسبانيا و النّورويج ومالطا وسلوفينيا، وقد وجْهت الدّول المذكورة انتقادات لاذعة لأركان الإحتلال وقالوا بأنّهم لن يسكتوا على أفعال الإبادة في غزّة.
وفي بيان مشترك دعت فرنسا وبريطانيا وكندا أركان الإحتلال إلى وقف الحرب فورا وهدّدت باتْخاذ إجراءات تصعيديّة، إن لم توقف إسرائيل جرائمها بحقّ المدنيين و الأطفال وإن لم تسمح بدخول المساعدات. ولكنّ الكيان لا يكترث لانتقاد أو تهديد، مادامت لم تخرج عن نطاق الكلام.
ومن داخل الكيان نفسه تأتي مواقف غير مسبوقة، حيث ارتفعت بعض الأصوات، لتقول بأنّ حكومة بلادهم تتْخذ من قتل الأطفال هواية، ويقول أخرون بأنّ الصّهيونيّة الدّينيّة، تعتبر قتل مائة أو أكثر من الفلسطينيين في ساعة زمن من ليل أو نهار أمرا عاديا، وتريده أن يكون اعتياديّا ومن دون اكتراث من أحد، لا من القريب العاجز ولا من البعيد القادر على الفعل إن صدقت النّوايا.
أمّا في إسبانيا، فإنّ أحزابا سياسيّة من مشارب فكرية مختلفة دعت إلى تعليق تجارة السلاح مع الدّول التي تنتهك حقوق الإنسان وفي مقدمتها إسرائيل . وقالت بأنْها ستدفع باتّجاه تشريع قانوني في الغرض. لكن ما بين القول وبداية التّحوّل إلى أفعال مساحة، لا ينبغي أن تطول، من أجل أن لا تطول أكثر مأساة مليوني فلسطيني، يعيشون تحت وطأة القصف والنّسف والجوع والنّزوح منذ أكثر من عام ونصف.