زيارة "ترامب" للمنطقة العربيّة، (السّعوديّة، الإمارات، قطر)، سبقته إليها ، تسريبات مضلّلة ، تقول ، إنّ خلافا قد نشب بين الإدارة الأمريكيّة الحاليّة وأركان دولة الإحتلال، تبشّر بقرب تحوّل عميق وشامل في العلاقة مع الكيان. شاهدهم على ذلك، تصريحات غامضة ومتضاربة، تأتي من الإدارة الأمريكيّة ومن الكيان نفسه. وربّما أخذت الحماسة بعض المحلّلين في الإعلام العربي ،فزعموا بأنّ ترامب اكتشف أنّ مصالحه مع العرب وليس مع الكيان، وهذا بفضل جهدهم لتليين مواقفه.
لا شيء من ذلك قد حدث سابقا أو يمكن أن يحدث مستقبلا ، ولكنّ المفرطين في التّفاؤل، يقولون ذلك من أجل رفع الحرج بسبب ما سيأخذ منهم من أموال ضخمة للإستثمار في بلاده. لا مقابل لها سوي وهم باعه لهم وهم شروه ويعرفون أنّه وهم ولكنّه قد يرفع عنهم بعض الحرج ولو إلى حين.
يبني المتفائلون تفاؤلهم على زعم أنْ "ترامب" ،اكتشف أخيرا أنّ "نتنياهو" يتلاعب به وبإدارته ، لذا قرّر تهميشه والمضيّ في صفقة منفردة مع المقاومة عبر الوسطاء وفرضها فرضا على الكيان. لأنّ ترامب بزعمهم لا يكره أحدا مثل من يحاول التلاعب به ولو كان صديقا مقرّبا مثل نتنياهو .ويستدلْون على حدوث القطيعة مع الكيان، بأنْ ترامب وبمناسبة الإعلان عن إطلاق سراح الرّهينة الأمريكي دون شروط، لم يأت على ذكر إسرائيل، واكتفي بذكر الوسطاء، ولا يقولون بأنّه لم يأت أيضا على ذكر المقاومة ولم يسمّها باسمها،َ ويضيفون مسألة الهدنة مع الحوثيين، التي لم يعلم بها أركان دولة الإحتلال لأنّه"لا يحتاج إلى إذن من أحد".
لا أحد يدري من أين يأتي المتفائلون بتفاؤلهم مع إدارة أمريكيّة يمينيْة؟ لم تخف دعمها الكامل و المطلق للكيان، أليس ترامب هو من نقل سفارة بلاده إلى القدس في عهدته الأولى رغم المعارضة الدّوليّة الواسعة ؟ أليس هو من أفرج عن صفقة أسلحة فتّاكة للكيان في بداية عهدته الثّانية؟ قيل إنّ إدارة سلفه، كانت قد جمّدتها إلى حين. أليس هذا الذي يقال إنْه على خلاف مع الكيان، هو أوّل من جعل جريمة التّهجير فكرة للنّقاش؟ أليس هو من توعّد المقاومة إن لم تفرج عن المختطفين دفعة واحدة بفتح أبواب الجحيم؟ وقد حدث ذلك باستخدام سلاح التّجويع ؟ ها قد مرّ ستون يوما على منع دخول الطّعام للقطاع تحت أنظاره وبعلمه وبعلم إدارته ومبعوثيه إلى المفاوضات. فهل يمكن بعد ذلك القول بإنّ العلاقة مع الكيان، ستشهد "تحوّلا عميقا وشاملا "؟ قد تأتي السّاعة ولن يأتي هذا الموقف المرتقب.
في تناغم مع إدارة ترامب ومن أجل تثبيت وهم الخلاف والقطيعة في ذهن العرب ، يقول أحد أركان الإحتلال، بأنّهم لم يعودوا يعرفون" اليد اليمنى من اليسرى بسبب الفوضى العارمة في إدارة ترامب" . عند هذا الحدّ تكتمل عناصر الكوميديا السّوداء بانتظار العرض يوم الزّيارة المرتقبة دون حرج أمام الشّعوب والعالم. وعندما ينتهي العرض، يأخذ ترامب ما يريد من استثمارات ضخمة لبلاده، ثمّ يتوقّف عن وصف حرب نتنياهو بالوحشّيّة، وربّما يكفّر عن قوله بمزيد الدّعم، ويضيف العرب خيبة جديدة إلى خيباتهم، ويمضي الكيان في مشروع الإبادة والتّهويد، رجع أسراه أو لم يرجعوا.