عودة التاريخ التراجيدي المكارثي... ولكن على شكل مسخرة

في ذلك الزمن، وعلى غرار «نعمت شفيق» اليوم، كان يقود شبيحة نيويورك طالب دكتوراه سوري من أصل أوزبيكي يدعى ... «محمد العمادي! ».

بالتأكيد لا أشعر بالفرح وأنا أشاهد الطلاب في الجامعات الأميركية، خصوصاً الطالبات، وهم يُسحلون ويُداسون بالأحذية وتُدقّ رؤوسُهم بالهراوات كما لو أنها «أجران كبة»؛ ولكني ، في الآن نفسه، فرح ... بل وأشعر بالشماتة وبلذة الانتقام التاريخي، لأن زبانية الولايات المتحدة في منطقتنا، خصوصاً أولئك الذين تمولهم دكانة «المجتمع المفتوحOpen Society» ، لصاحبها كبير أوغاد رأس المال الصهيوني «جورج سوروس»، و «الوقفية الأميركية للديمقراطية» NED، الذراع المالية الضاربة لوكالة المخابرات المركزية، والتي موّلت الشيوعي التائب«رياض الترك» وحزبه وأيتامه في سوريا بحوالي 10 ملايين دولار خلال العام 2006 وحده، كانوا يصفوننا بأننا بقايا «مستحاثات العصر الديناصوري الشيوعي».

ذلك فقط لأننا لم نؤمن معهم بأن الولايات المتحدة هي راعية الحرية في العالم، وستجلب لنا الديمقراطية؛ ولأننا لم نؤمن بنظرية «الصفر الاستعماري» التي اخترعها الراحل «رياض الترك» في العام 2003 لتبرير قتل نصف مليون طفل عراقي بسلاح التجويع، كما غزة الآن، ولكي يقنعنا بـ «فوائد» اليورانيوم المنضّب وصواريخ «توماهوك» في نشر الديمقراطية، وبـ «فوائد» الاستعمار الذي سيرفعنا من تحت الصفر إلى ما فوقه،كما كان يقول!

التاريخ التراجيدي إذْ يعود على شكل مسخرة:

في آذار /مارس 1947، وبسبب الانتشار الواسع للأفكار اليسارية في المجتمع الأميركي، ونزولاً عن نصيحة السيناتور «جوزيف مكارثي»، أصدر الرئيس «ترومان» الأمر التنفيذي رقم 9835 الذي قضى بإخضاع كل من يطلب وظيفة عامة لفحص أمني – أيديولوجي شبيه تماماً بما يحصل في بلادنا، لاسيما استبيانات «الأمن السياسي» الواجب تعبئتها حين التقدم حتى لوظيفة عامل تنظيفات في بلديات «الدويلعة» و«الطبالة» أو«ضيعة ضايعة»! وكان الهدف، كما شرحه الأمر الرئاسي، هو التحقق مما إذا كان طالب الوظيفة «موالياً» أو يخفي أفكاراً يسارية تحت جلدة رأسه أو في شعره كما لو أنها أسراب مُهرَّبة من القمل والصئبان، أو ما إذا كان أحد أفراد عائلته يؤمن بمثل هذه الأفكار الصئبانية الهدامة. و وصلت الهلوسة يومها إلى حد أن «مكارثي» وقف في مجلس الشيوخ ليدعي بكل خفة أن لديه قائمة طويلة عريضة بأسماء موظفين وديبلوماسيين في وزارة الخارجية هم «أعضاء سرّيون» في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الأميركي! ويومها صدّق الإعلام الأميركي المجنون هذه الكذبة المجنونة وراح يبحث عن الجن والعفاريت الحمر التي تمكنت من اختراق وزارة الخارجية!

كان الأمر شبيهاً بحالة الهلوسة التي يشيعها اليوم أعضاء في «مجلس الشيوخ» و«الكونغرس»، والتي تدّعي أن «حماس» و«حزب الله» هما من يقفان وراء المظاهرات الطلابية الداعمة للقضية الفلسطينية و«المعادية للسامية»، وأنهما «عملا سراً لسنوات طويلة، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لكي يصل المجتمع الأميركي إلى ما هو عليه الآن من فوضى ومن معاداة للسامية» (أي نعم، هكذا حرفياً كما قال رئيس مجلس النواب المسعور ونصف المجنون)!

لم يفلت يومها أحد من حملة التهويش والتشهير المكارثية في الإعلام الأميركي، سواء أكان موظفاً إدارياً عمومياً أو في المؤسسات والشركات الخاصة، أو أكاديمياً أو سياسياً من الخصوم أو شاعراً أو مسرحياً أو حتى طبيباً يعزو الانحرافات السلوكية إلى أسباب اقتصادية واجتماعية. وحتى الأعضاء في نقابات عمال النظافة وماسحي الأحذية وُصفوا بأنهم خطرون على الأمن القومي و وضعوا تحت الرقابة المشددة بزعم أنهم يوزعون منشورات سرية خلال نوبات عملهم الليلية، أو يدسّونها في أحذية زبائنهم! وأما الفنانون والكتاب في «هوليوود» فنالوا الحصة الأكبر من التحريض والتشهير والتطهير. ولم يكن ذلك دون سبب أو مبرر «منطقي». فيومها كانت «هوليوود» قلعة من قلاع الأفكار اليسارية وقيم الحرية في الولايات المتحدة، بخلاف ما يعرفه الناس عنها اليوم كأكبر مصنع في العالم لإنتاج وتعميم الترهات والأكاذيب وثقافة العنصرية والبلاهة والتفاهة! (من يصدق أن «هوليوود» كانت تنتج يومها أفلاماً تمجّد بطولات «الأنصار / الباريتزان» الشيوعيين خلف خطوط النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، وأفلاماً تشيد بالحياة الاجتماعية في الكولخوزات والسوفخوزات الزراعية السوفييتية!؟).

وصل الأمر يومها ، واعتباراً من العام 1947، إلى حد اعتقال حتى من يطالب بسن قوانين لمنع تشغيل الأطفال، أو لحماية المرأة ومساواتها بالأجر في العمل، أو من يطالب بالإلغاء التام للتمييز العنصري والجندري. وكانت التهمة جاهزة دوماً: الشيوعية والعمالة للاستخبارات السوفييتية!

تقدِّر الوثائق والتقارير الرسمية التي أفرج عنها لاحقاً، والتي اعترفت بأن تسعة أعشار ما زعمته الحملة المكارثية كان كذباً وتلفيقات، بأن مئات ألوف الأميركيين تعرضوا لتحقيقات الـ FBI (المخابرات الداخلية)، و/أو فصلوا من وظائفهم ودُمرت حياتهم لمجرد الشبهة ودون أن يتوفر أي دليل ضدهم سوى تقارير مجنونة كتبها معاتيه مسعورون على غرار «الدراسات الأمنية» التي يعدّها «عْوَيدل الفسّاد» للمساعد «أدهم» رئيس مخفر «ضيعة ضايعة»! وقد طالت التقارير يومها حتى من يرتدي قمصاناً أو جرابات أو أحذية لونها أحمر! وأما الذين أخضِعت اتصالاتُهم ومراسلاتُهم للتنصت والرقابة فكانوا بعشرات الملايين!

كانت حالة هستيرية كابوسية لم ولن يعرف لها العالم مثيلاً، دامت قرابة عشر سنوات. حتى الحملات القمعية في زمن «الغولاغ» اللينيني - الستاليني بدت مزحة ممجوجة و «نكتة بايخة» إذا ما قورنت بها، سوى أن القتل الذي رافق «الغولاغ» اللينيني – الستاليني كان أوسع نطاقاً،كما يبنغي الاعتراف!

أما بطل الحملة المكارثية فكان الشخصية الأقذر والأوسخ والأكثر إجراماً في التاريخ الأميركي (إذا استثنينا ذبّاح الهنود الحمر «جورج واشنطن» و ذبّاح الفيتناميين «كيسنجر»)، وهو «جون إدغار هوفر John Edgar Hoover» ، رئيس «مكتب التحقيقات الفيدراليFBI»، الذي كان شبيهاً باليهودي – الصهيوني «لافيرنتي بيريا»، رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية السوفييتية الشهير. (بالمناسبة: هذا الأخير هو من جنّد «مناحيم بيغن» وأرسله في قافلة عسكرية سوفييتية صيف العام 1941 إلى فلسطين، عبر إيران والعراق والأردن، لكي يخلف «فلاديمير جابوتينسكي» على رأس منظمة «بيتار»، ولكي يساهم في التحضير للعملية السوفييتية – الصهيونية المشتركة التي كانت تقضي بإنزال عشرات الألوف من المحاربين البلاشفة الصهاينة على الشاطىء الفلسطيني من أجل إقامة دولة يهودية وفق مخطط «ستالين»!).

لكن هذا كله، على ضخامته وهوله، لم يكن سوى الجزء الناتىء من جبل الجليد . فقد شكل «هوفر» ميليشيات وعصابات «كتائب الموت» السرية على غرار ذوي «القمصان البنية» أو « القمصان الحديدية» في زمن النازية الألمانية والفاشية الإيطالية، مهمتها تصفية وقتل الناس المشتبه بأنهم يساريون! وهكذا انتشر الرعب ورائحة الموت في كل مكان: في الأحياء السكنية والمصانع والجامعات و المزارع والمدارس وحتى قارعات الطرق السريعة ومحطات الباصات والقطارات. وقد أصبح أمراً طبيعياً أن يستيقظ المرء صباحاً ليجد،على مدخل بيته أو البناية التي يقطن فيها، جثة مشوهة مجهولة الهوية خرّقها رصاص مسدسات مزودة بكواتم الصوت أو مزقتها طعنات السكاكين أو حطّمت جمجمتها ضربات بسلاسل معدنية. أما عمال النظافة فتحولوا بقوة الأمر الواقع إلى عمال لجمع الجثث مجهولة الهوية من مكبات النفايات والشوارع والأزقة . وهو ما كان عليه الحال في كل مكان من الولايات المتحدة حتى نهاية الخمسينيات تقريباً.

في الجامعات، ولأن حديثنا يتعلق اليوم بالمظاهرات الطلابية الجامعية، شكل «هوفر» عصابات من المخبرين الذين كان عليهم جمع المعلومات عن الطلاب والأساتذة المشتبه بميولهم اليسارية والشيوعية. هذا فضلاً عن كتائب الموت التي كانت تسحب الطلاب من سكنهم الجامعي ليختفوا بعد ذلك، وليعثر عليهم الناس أو عمال النظافة لاحقاً وقد أصبحوا جثثاً شوهها نهش الكلاب والقطط الشاردة في مدخل بناية أو مكب نفايات أو محطة مترو!

أحد أعضاء تلك الميليشيات الجامعية الإجرامية في جامعة نيويورك كان طالبَ دكتوراه سورياً في كلية الاقتصاد يدعى «محمد العمادي». فبسبب تديّنه وتربيته الرجعية المحافظة والعلاقات القديمة والوثيقة بين أسرته وأمراء «آل سعود»، وأصوله الأوزبيكية، وحقده العقائدي الإسلامي، كان مناهضاً بقوة ليس فقط للشيوعية والاتحاد السوفييتي، بل لأية أفكار وطنية ويسارية مهما كانت معتدلة. ولهذا انخرط فور وصوله إلى نيويورك في العام 1955، إلى جانب زميلة أميركية له إيلين ميلدرد ريبي Elaine Mildred Rippey (ستصبح زوجتَه وأمَّ أولاده لاحقاً)، في شبكة مخبري و«شبيحة» المجرم الدموي المسعور «إدغار هوفر»،التي كان يديرها في جامعة نيويورك آنذاك «هنري تاونلي هيلد Henry Townley Heald»! وبعد ذلك أصبح عميلاً رسمياً لوكالة المخابرات المركزية حتى وفاته قبل عامين، ولكن عميلاً من النوع الخاص الذي يشمله مصطلح «القاتل الاقتصادي! ».

لم يكن «محمد العمادي» هذا سوى الرجل نفسه الذي سيصبح أول وزير للاقتصاد والتجارة الخارجية في أول حكومة بعد انقلاب «الأسد» في العام 1970، الذي دبّرته السعودية والمخابرات البريطانية. وكانت مهمته قيادة التحولات والسياسات الانفتاحية الجديدة التي جاء بها «الأسد»، لاسيما تعميق الانخراط في السوق العالمية و الخصخصة غير المعلنة، وتفكيك قطاع الدولة بطريقة خبيثة(الإبقاء عليه مع تجويفه من الداخل)، وضرب الإصلاح الزراعي من خلال إعادة الممتلكات المؤممة سابقاً لصالح الملاك الرأسماليين الزراعيين الكبار السابقين بطرق احتيالية، قبل أن يذهب للعمل في الكويت وصندق النقد الدولي. وفي العام 1985 أحضره «حافظ الأسد» مرة أخرى إلى المنصب نفسه، بناء على نصيحة السفير الأميركي في دمشق «وليام لستر إيغلتون جونيور William L. Eagleton Jr. » . وهذا الأخير كان في الأصل ضابطاً في وكالة المخابرات المركزية في طهران، ومشاركاً في عملية «أجاكس» الأميركية – البريطانية الإنقلابية التي أطاحت حكومة الدكتور «محمد مصدق» في العام 1953 وأعادت الشاه إلى عرشه! (1).

كانت مهمة «العمادي» الأساسية في الثمانينيات استكمال مهمته السابقة مطلع السبعينيات، لاسيما وأن النظام كان قطع شوطاً كبيراً على صعيد تجويف الاقتصاد الوطني و تجريده من وظيفته الاجتماعية الأساسية، وتحويله إلى مجرد ماكينة لضخ الفائض الاقتصادي إلى جيوب التحالف الانكشاري المكون من كبار ضباط الجيش والمخابرات ومافيات «الغرفة التجارية»، التي كان على رأسها آنذاك العميل الإسرائيلي العتيق (منذ الأربعينيات) «بدر الدين الشلاح» ، وتعويم الليرة السورية، بما يعنيه ذلك من توسيع مروحة الفقر وإفقار المزيد من الطبقات الشعبية لصالح طبقة الديناصورات والقطط السِّمان الجديدة التي ولدت من بيوض السياسات الاقتصادية الانفتاحية «العمادية (2). ».

إلا أن المهمة الأخطر التي أنيطت بـ «العمادي»، والتي لم يُكتب لها أن تتم بسبب توقف «عملية السلام والتطبيع» بين سوريا وإسرائيل بعد اغتيال «رابين»، هي ربط الاقتصاد السوري بالاقتصاد الإسرائيلي بعد إبرام اتفاقية سلام . فبعد انعقاد «مؤتمر مدريد/ 1991» مباشرة تقدم «العمادي» إلى «حافظ الأسد»، بالنيابة عن «رفيق الحريري» و «عثمان العائدي» و «عمران أدهم» ورجل الأعمال والمصرفي الإسرائيلي الشهير من أصول سورية حلبية، «إدموند صفرا Edmond Safra» ، بمشروع متكامل تحت عنوان «جسر السلام» (حوالي 400 صفحة)، يقوم على إحياء الخط الحديدي القديم بين دمشق وميناء حيفا المحتلة (عبر درعا/ مزيريب/تل شهاب/ الحمة )، والاستغناء عن مينائي اللاذقية وطرطوس في الاستيراد والتصدير وكل ما يتعلق بالتجارة الخارجية، وإقامة منشآت سياحية مشتركة (سورية-إسرائيلية-لبنانية) للتزلج على الثلج (على غرار منتجعات ديفوس السويسرية) في «جبل الشيخ» والجولان و «مزارع شبعا». ولكن هذا موضوع آخر ليس مكانه هنا أو الآن.

هكذا يكرر التاريخ نفسه، ولكن مرة على شكل تراجيديا تشبه «العمادي»، ومرة على شكل مسخرة تشبه «نعمت شفيق (3). ».


الهوامش
(1) ـ لا تزال السيرة المهنية الكاملة لهذا الرجل ممنوعاً الوصول إليها في الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأميركية، باستثناء معلومات بسيطة حول عمله الديبلوماسي لاحقاً في بعض الدول العربية.
Https://history.state.gov/…/eagleton-william-lester-jr
(2) ـ سبق ونشرت الكثير مما يتعلق بالتاريخ الخفي لـ«بدر الدين الشلاح»، المنحدر من عائلة «شالوح» اليهودية الدمشقية التي أسلم جزء منها في النصف الأول من القرن التاسع عشر لأسباب اقتصادية ومالية (الإعفاء من دفع الجزية، وهو قانون ملّي كان لا يزال «أهل الذمة» يخضعون له في الدولة العثمانية قبل ما يسمى «إصلاحات التنظيمات»). وقد عمل « الشلاح» وكيلاً تجاريا لـ «الكتلة الوطنية» خلال الأربعينيات، وكانت مهمته ( بالاشتراك مع «الأمير عبد الرزاق الجزائري» و «يوسف العيسمي») بيع الأراضي التي يملكها رأسماليون زراعيون وإقطاعيون سوريون في شمال فلسطين وإقليم «باشان» السوري (حوران والجولان) لصالح لـ «الصندوق القومي اليهودي». وكان ثمن الأراضي يحول له من قبل «الوكالة اليهودية» إلى حساب بنكي خاص به في فرع «البنك البريطاني - الفلسطيني» في بيروت (أصبح بنك "ليؤومي" المركزي الإسرائيلي بعد قيام دولة إسرائيل).
(3) ـ بالمناسبة، وعلى خلاف ما قيل طوال الأيام الماضية، المعتوهة "نعمت شفيق" ليست قبطية، بل مسلمة. أبوها «طلعت شفيق» كان أحد باشوات العهد الملكي في الإسكندرية، وقد تعرضت ممتلكاته للتأميم في العهد الناصري. ومن الواضح أن ما تقوم به اليوم من أفعال قذرة ليس سوى نوع من الانتقام الطبقي كما يسوّله لها عقلُها الباطن أو الواعي. وفي جميع الحالات، هي ليست قبطية ولا مسلمة، بل مجرد بقرة واقعة في غرام «العجل الذهبي» الإسرائيلي الذي كان يعبده أبوها خلال العهد الساداتي، وأصبح يعبده لاحقاً قريبها الفريق «أحمد شفيق»، مستشار «آل نهيان» و بطل صفقات الغاز الإسرائيلي في عهد «حسني مبارك ! ».

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات