حين يعمل جيش الجواسيس الأردني كـ «ماشطة للقواد» الأميركي والإسرائيلي

«وول ستريت جورنال»: طائرات أردنية شاركت في قصف المواقع العراقية والسورية يوم أمس!! بالمناسبة: من يعرف أو يتذكر أن الملك الجاسوس الأب وقائد سلاحه الجوي هما من هرّب الطيار العراقي «منير روفا» في العام 1966إلى إسرائيل!؟

منذ أن جرى تأسيس هذه الإمارة في عشرينيات القرن الماضي على يد المخابرات البريطانية وعائلة الجواسيس ، كان مرسوماً لها دور واحد: أن تكون إسرائيل الصغرى (أو فلسطين البديلة) قبل ولادة إسرائيل الكبرى، واليد اليمنى وحارس الحدود الشرقية لهذه الأخيرة بعد ولادتها. وإذا كان خرج من صفوف جيش هذه الإمارة الصهيونية العربية بعض الضباط الوطنيين في أوقات مختلفة، فإن هذا الاستثناء إنما يؤكد القاعدة. ولهذا ليس أمراً مستغرباً ما قالته «وول ستريت جورنال» عن أن طائرات سلاح الجو في هذه المستعمرة الإسرائيلية المسماة «المملكة الأردنية» شاركت مع الطائرات الأميركية في العدوان على العراق وسوريا يوم أمس، وستشارك مستقبلاً في أية غارات أميركية أخرى. فهذا من طبيعة الأشياء بالنسبة لجيش أشبه بعصابة مرتزقة أميركية يشارك كقوة قمعية لصالح وكالة المخابرات الأميركية وإسرائيل منذ تأسيسه (من ينسى أدواره في دول الخليج خلال الستينيات والسبعينيات؟).

لم يعد هناك عربي واحد إلا ويعرف التاريخ الجاسوسي لهذه العائلة، الأوسخ والأحقر والأقذر في العالم العربي. فهي عائلة يخرج أطفالها من فروج أمهاتهم جواسيسَ وعملاء، ذكوراً كانوا أم إناثاً. إلا أني أشك في أن أحداً يعرف دورهم في تهريب الطيار العراقي «منير روفا» بطائرته الـ «ميغ 21» صيف العام 1966 إلى قاعدة «حتسور» الإسرائيلية شمال فلسطين المحتلة مقابل 50 ألف دولار. حتى الفيلم الوثائقي الإسرائيلي «الطائر الأزرق»، الذي أنتجته إسرائيل في العام 2007 عن العملية، بعد أربعين عاماً على حصولها،تجنب الإشارة إلى أي دور أردني في العملية. فملفات العملاء والجواسيس من الأسرة الهاشمية تحظى في الأراشيف الإسرائيلية بالأهمية نفسها التي تحظى بها أسرار دولة إسرائيل تماماً، لأنهم يعتبرون «الجيش العربي الصهيوني الأردني» فرقة في «جيش الدفاع الإسرائيلي» والأجهزة الأمنية الأردنية مجرد فروع للموساد.

وتقول وثائق استخبارات ألمانيا الشرقية إن «روفا» جرى اصطياده في العراق من قبل امرأة أميركية تعمل مع الموساد،قبل أن تدعوه إلى رحلة رومانسية إلى إيطاليا حيث كان بانتظاره ضابط الموساد الإسرائيلي «ريهافيا فاردي רחביה ורדי»، رئيس «شعبةالارتباط مع العملاء في الدول العربية»،الذي قام يتجنيده وتهريب عائلته قبله إلى إسرائيل عبر كردستان العراق وإيران وأوربا.وقد رُتِّبت عملية الهروب بمساعدة ضابط المخابرات الأردنية (العراقي الأصل وقائد سلاح الجو الأردني لاحقاً)،«عبود سالم حسن»،الذي كان جاسوساً للمخابرات البريطانية قبل فراره إلى الأردن عبر سوريا في أبريل1960،وبتسهيل لوجستي من قبل قائد سلاح الجو الأردني،الرائد «صالح الكردي»، وموافقة الملك حسين. وقد ساهمت «عملية الطائر الأزرق»بشكل كبير في تحطيم أسلحة الجو المصرية والسورية،وبعض سلاح الجو العراقي،خلال الساعات الأولى من حرب يونيو في العام التالي، وساهمت أيضاً في«تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط»،كما ستقول «يديعوت أحرونوت»لاحقاً،في 29 مايو 2007،بمناسبة بث الفيلم الوثائقي المذكور. أما الفائدة التي لم تكن أقل أهمية بالنسبة للإسرائيليين،فهي أن العملية أسست لمسار انعطافي كبير في علاقة التعاون الأمني والعسكري بينهم وبين الولايات المتحدة. ذلك لأن إسرائيل سمحت لخبراء سلاح الجو الأميركي،الذين كانوا لا يزالون يعتبرون الطائرة «لغزاً غامضاً»يجهلونه تماماً،بفحصها والإطلاع على جميع أسرارها الهندسية والعملياتية. ومنذئذٍ فُتحت أبواب مخازن السلاح الأميركي على مصاريعها أمام إسرائيل لتغرف منها دون حساب،بعد أن كانت شبه مغلقة بوجهها،وبعد أن كان سلاحُها كلّه من منشأ أوربي.

كانت مهمة «عبود سالم حسن» قبل فراره إلى الأردن إعداد قوائم (لصالح المخابرات البريطانية) بالعسكريين العراقيين الشيوعيين العاملين في سلاح الجو .وقد استمر في هذه المهمة بعد التحاقه بالمخابرات الأردنية. وفي العام 1963 ، بعد إطاحة نظام «عبد الكريم قاسم» بالتعاون بين وكالة المخابرات المركزية و «عبد الناصر» والملك الهاشمي الجاسوس و«حزب البعث» ، سلّم «عبود سالم حسن» قوائمه إلى الإنقلابيين الذين أعدموا جميع أصحاب الأسماء الواردة فيها، والذين قُدّر عددهم بالعشرات من مختلف صنوف الأسلحة،بمن فيهم قائد سلاح الجو العراقي العميد «جلال جعفر الأوقاتي » Jalal Jaafar Awkati، الذي ورد اسمه في تلك القوائم على أنه عضو سري في قيادة الحزب الشيوعي العراقي؛لكنه، حسب «أرشيف فولف»،لم يكن حتى عضواً عادياً في الحزب أبداً،بل مجرد«يساري وطني تقدمي صديق للحزب».وفي مرحلة لاحقة -حسب«أرشيف فولف» نفسه الذي يستند في هذه المسألة إلى شهادة الفريق «نذير رشيد» (مدير المخابرات الأردنية، وسفير الأردن في المغرب لاحقاً)، ومصادر بريطانية وأردنية أخرى- قدّم «عبود سالم» مساعدة قيمة للموساد الإسرائيلي،من خلال عمله في المخابرات الأردنية،حين ساهم في تجنيد «منير ردفا»،إلا أن تفاصيل مساهمته وطبيعتها في مراحلها التمهيدية لا تزالان غامضتين، سوى أنه قدّم لوائح بعدد من الطيارين العراقيين«المستعدين لأسباب شخصية أو سياسية أو دينية أو قومية للتعاون مع جهات أجنبية». ويبدو أن الإسرائيليين قرروا اختيار «منير ردفا» من قائمة الأسماء لأسباب مختلفة، بعضها شخصي و بعضها يتصل بانتمائه الديني كمسيحي.

إضافة لذلك،كان «عبود سالم حسن» على معرفة واتصال بزوجة مدير شركة نفط العراق البريطانية آنذاك IPC،وهي من أصل أميركي لعبت دوراً«إغوائياً»مهماً في العملية.لكن الدور الأكثر وضوحاً للجاسوس «عبود سالم حسن» ظهر يوم فرار «منير روفا»،حين رتّب الجانبَ«التقني»مع صديقه قائد سلاح الجو الأردني الرائد «صالح الكردي»،بعد أن دغدغ مشاعره القومية،باعتباره من أصول كردية.فقد أبلغه بأن الطيار العراقي «سيهرب لأنه يرفض لأسباب أخلاقية المشاركة في قصف الثوار الأكراد والمناطق الكردية شمال العراق».

وكانت مهمة «صالح الكردي» أن يوعز لقواته الجوية ودفاعه الجوي،يوم هروب «منير ردفا»، بالتعامل مع«طائرة ميغ 21 عراقية قادمة يوم 16 أغسطس 1966على أنها طائرة صديقة ستهبط في قاعدة الملك حسين الجوية(في مدينة المفرق شمال الأردن)، وسيكون تحليقها في كوريدور جوي بمحاذاة الحدود مع سوريا بعد دخولها المجال الجوي الأردني على شكل حركة زيكزاك Zigzag (متعرجة)،كإشارة تعارف،لأن جهاز الراديو فيها سيكون مطفأً».وفيما بعد ادعى «الكردي» خلال مجادلات داخل النظام الأردني،وفق إفادة الفريق «نذير رشيد» لمخابرات ألمانيا الشرقية، ،بأن«الطائرة خدعته،فقد كان مقرراً أن تهبط في المفرق،لكنها تابعت طريقها إلى إسرائيل»!

ولأن «ميغ 21»كانت أسرع طائرة قتالية في العالم آنذاك،كان من الطبيعي أن تكمل طريقها إلى قاعدة «حتسور» شمال إسرائيل وتقطع المسافة بين المجال الجوي لمدينة المفرق والمجال الجوي الإسرائيلي(60كم)،حيث كان سرب من الطائرات الإسرائيلية بانتظارها احتياطياً في الجو،خلال أقل من دقيقة ونصف الدقيقة.ولذلك كان من المستحيل اتخاذ أية تدابير لإسقاطها، بافتراض اكتشاف أمرها،وبافتراض صحة رواية «الكردي» التي يشكك فيها الفريق «رشيد» ويؤكد أن الملك حسين نفسَه كان علم بالعملية من مستشاره «جاك أوكونيل Jack O'Connell »رئيس محطة الـCIA في الأردن، التي كانت مشاركة في العملية منذ بداية التخطيط لها.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات