إلى الوراء سر…

في ظل حالة التصحّر الإعلامي وانتشار اللاّمبالاة إزاء الشأن العام، مرّ خبر ارتفاع حجم الأموال المتداولة نقدا في السوق التونسية كما لو كان خبرا عاديا، ولم يجد الجمهور من ينبهه إلى خطورته. فقط، أستاذ مختص في الاقتصاد لخّص الموضوع لموقع الكتروني من المواقع القليلة الجادة المتبقية بقوله: لقد أعادنا قانون الشيكات سنوات إلى الوراء!

خلال الأسبوع الذي أشارت فيه بيانات البنك المركزي إلى أن السيولة النقدية حطمت رقما قياسيا بتجاوزها 26 مليار دينار، نقلت وسائل الإعلام تذمر المواطنين من رداءة الأوراق المالية التي أصبحت الموزعات تسلمها للحرفاء، وأجمعت كل الآراء على أن البنك المركزي الذي يلتزم الصمت هو الجهة الوحيدة المخولة لتفسير هذه الظاهرة وهي وإن كانت بالمفهوم الاقتصادي تعكس خللا ما لا نعرفه فإنها بلا شك علامة تسيء إلى صورة البلاد ومظهرها العام وتؤكد أننا قطعنا فعلا أشواطا عملاقة إلى الوراء!

المسألة في بعدها الاقتصادي تستعصي علينا، نحن الذين نتابع الشأن العام من موقع الملاحظ، والرقيب، وإن كانت كل التفسيرات التي قدمها الخبراء مقبولة وهي تشكل جملة من العاهات التي يعاني منها اقتصادنا، فحجم السيولة بلا شك على صلة بالسوق الموازية وقانون الشيكات، وخوف المواطنين من البنوك، وخوف البنوك من المواطنين، وارتفاع نسبة التضخم، وعدم قدرة البنك المركزي على طباعة أوراق جديدة لائقة الخ…

مبدئيا نحن أحرار في أن نسير إلى الأمام أو أن نهرول إلى الخلف، ولا أحد له وصاية علينا كي يحدد لنا أي اتجاه نسلك، والسيادة الوطنية إذ لخصها القذافي رحمه الله بأبلغ عبارة في الكون (طز) تجعلنا لا نعبأ بما يحدث حولنا في العالم، فنعتبر وكالات التصنيف الائتماني (أمك صنافة) عندما لا تستجيب مؤشراتها لاتجاهات الديماغوجيا الوطنية. لكن هذا لا يغير من حقيقة الأمر شيئا فارتفاع حجم الأوراق المالية في السوق لا يدل إلا على التخلف، وهو مناقض تماما لما يحدث في العالم حيث أصبح بإمكانك أن تدفع كل شيء باستخدام الهاتف الجوال!

المشكلة الوحيدة هنا هي في الكيفية التي نسير بها إلى الوراء، فنحن بوضعنا هذا كمن يقود عربة من طراز ستينات القرن الماضي في طريق سيارة تتسابق فيها سيارات من أحدث طرازات الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، وعليك أن تتخيل أن هذه العربة تسير في الاتجاه المعاكس للجميع.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات