أسد عليّ وفي الحروب نعامة!

كرمت وزارة الثقافة الفنان الكبير الفاضل الجزيري بعرض شريطه (ثلاثون) أمام مدرجات شبه خالية في المسرح الأثري بقرطاج يوم 17 أوت، ذلك التاريخ كان محجوزا للفنان الجاماييكي " كي ماني مارلي". قبل الإعلان عن إلغاء حفله في بلاغ جاف لم يذكر الأسباب، واكتفت الوزارة فيه بإعلام الجمهور أنه يمكنهم استرداد قيمة التذكرة، فيما تطوعت إذاعة خاصة في نطاق التكامل بين القطاعين العام والخاص وأضافت من عندها حرف جرّ لئيم أعطى للبلاغ الرسمي معنى آخر: (مهرجان قرطاج: إلغاء عرض الفنان الجامايكي لتكريم الراحل الفاضل الجزيري)!

ينبغي أن تكون على درجة متقدمة من السذاجة كي تنطلي عليك مثل هذه العناوين التي تكتب على عجل ولا يراقبها أحد، فمهرجان قرطاج الدولي غير معني بمشاعر الحزن والكمد، وبعد يوم واحد من جنازة الجزيري صدحت صوفية صادق على ركحه: (الله على مستقبلنا يا أملنا وزين بلدنا)، وأنهت الجدل القائم بين فقهاء الفايسبوك حول مدى احترام تلك الجنازة ضوابط (الشرع) لتفتتح جدالا آخر حول تاريخ صلاحية حنجرتها ورمزية صرختها (يا تونس) بعد زهاء عقد ونيف من نهاية عصرها الذهبي!

وأنت تشاهد جنازة زياد الرحباني في لبنان، وتتابع الأثر الذي خلفته وفاته في مختلف الأوساط تشعر بكثير من الأسف على حالنا. فهناك في بلد تمزقه الطائفية تدخل امرأة محجبة الكنيسة لتطوف بالتابوت وتودع الجسد المسجى فيه، وهناك تتدفق القرائح من كل صوب لترثي الفنان وتكرمه تعبيرا عن لوعة حقيقية وحزن صادق وإيمان عميق بقيمته وخلود أثره، أما هنا فلا صوت يعلو فوق صوت الحقد والنفاق والشماتة والكراهية، لقد كان الفاضل الجزيري في حياته لا أحد يستطيع أن ينقد (الشْغُل) الذي يقدمه، لكنه سينسى بأسرع مما قد يتصور المرء، وستعتبر وزارة الثقافة أن عرض شريطه (ثلاثون) أمام مدرجات خالية يمكن أن يكون تكريما له!

سنتذكر جميعا جنازة الراحل الباجي قايد السبسي بوصفها آخر مظهر من مظاهر الوحدة الوطنية الصماء، قبل أن يشيع في الجو هواء فاسد هو مزيج من كراهية النخب واللامبالاة والتطبيع مع السهولة والرداءة والاستهتار، فالفنانة التي غنت أغنية (التحول المبارك) في حفلها لم تكن بصدد إرضاء شق من الجمهور طالبها بها بل بصدد الانتقام من شق آخر يرفضها، وكذلك لا يستطيع كثيرون التعبير عن إعجابهم بأغنية فضل شاكر دون التهكم من محمد الجبالي والحطّ من قيمته، والذين يطلقون النار على صحفية تونسية بسبب حوارها في إطار عملها بدولة مطبّعة مع مجرم حرب لا يهتمون بأن وزارة الثقافة (رمز السيادة) في دولة تعتبر التطبيع خيانة عظمى لا تجرؤ على ذكر السبب الحقيقي الذي دفعها إلى إلغاء حفل الفنان الجماييكي المعروف بمساندته للعدوّ والذي أثارت دعوته منذ البداية استياء الجميع، وهذا فيما يبدو أحد شروط (الوطنية الصادقة) أن نأكل بعضنا البعض وندع السلطة تفعل فينا ما تشاء كيفما تشاء!

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات