حتى لا نخلع الأبواب المفتوحة ينبغي الإقرار بأن كثيرا من المعاهد في حاجة إلى (توالاتات) قبل المصليات بالنظر إلى أنها تفتقر إلى أبسط متطلبات وظيفتها الأساسية ولا تتوفر فيها أبسط حقوق الإنسان.
لكن لننتبه إلى أننا لم نشهد ولو مرة واحدة حركة احتجاج أو هبّة مواطنية أو زوبعة رأي عام يطالب فيها تلاميذ المدرسة العمومية بتحسين ظروف الدرس والارتقاء به (تكنولوجيا) إلى مستوى التعليم الخاص (حتى لا نذهب بعيدا)، لنلاحظ أين تنحصر اهتمامات تلاميذ المرفق العام، الزواولة أبناء الشعب الصالح، أولئك الذين يقطعون عشرات الكيلومترات للوصول إلى المدارس أو يركبون حافلات مثل علب السردينة، أقصى طموحهم (وهذا حقهم) قاعة مفروشة للصلاة، وربما يطالبون غدا (وهذا حقهم أيضا) بإدخال مادة (تغسيل الأموات وتكفينهم على الطريقة الشرعية) في مواد السنة الأولى من التعليم الأساسي وحذف الذكاء الصناعي لأنه شرك ومنكر، وسيطالبون حتما بإيقاف درس الرياضيات والفيزياء عند أذان العصر، ويفرضون على الأستاذ أن ينتظر عودتهم إلى القسم وسراويلهم مشمرة إلى الركبة وتحت آباطهم قباقيب الوضوء والسجادات كما كان يفعل كثير من مسؤولي الصدفة والغنيمة في عشرية الانتقال الديمقراطي!
لنلاحظ هذا الانحسار المريع في مربع الأحلام والطموحات، فعلى الطرف الآخر سنرى أيضا تلاميذ تنحصر مطالباتهم في السماح لهم بتنظيم (دخلة عالمية) في امتحان الرياضة بالباكالوريا، أو حق تناول القنب الهندي في الاستراحة بين درسين! كل فريق من الفريقين يريد أن يهرب من مواجهة الواقع ومن تحمل مسؤوليات المواطنة بأي شكل من الأشكال مهما كان الثمن!
التعليم العمومي أقمنا عليه منذ أعوام مأتما وعويلا!! وذلك المحامي الذي نظم لجنة للمطالبة بتعميم المصليات إنما يثبت (لمن لم يتأكد بعد) أنه لا مشكل له مع الاستبداد بل يريده استبدادا ذا منحى ديني قروسطي أساسا، وفي هذه الأثناء ماتزال الاستعدادات جارية على قدم وساق لإقامة مجلس أعلى للتعليم، استعدادات من نوع اختيار حجم مربعات الجليز، وألوان الستائر في المقر الذي زاره الرئيس وإعادة طلاء الخزائن الحديدية بلون رمادي لاستقبال أضابير جديدة بعد أن أكلت الفئران كل شيء في بلادنا،
والمنطق السليم يفترض أن المجلس كان يمكن أن يتأسس ويشرع في أعماله ويجتمع في أي مكان حتى افتراضيا، وليست مشكلته المقر، لكن السياسة العامة شعارها اليوم (الحصيرة قبل الجامع) و(استنى يا دجاجة حتى يجيك القمح من باجة) بينما أخذت النيران تلتهم أطراف الإزار الذي نتلحف به والطوفان قادم ليكتسح كل شيء .