الخطأ المركزي القاتل لصنف من المثقف والمناضل العلماني في علاقة بالثورة الفلسطينية وفصائلها الإسلامية :

في الغرب كما في الشرق ،يوجد صنف من المثقفين والمناضلين يرتكب خطأ فكريا وسياسيا واخلاقيا مركزيا قاتلا في موقفه من فصائل المقاومة الاسلامية في فلسطين ( ولبنان...) نلاحظه حتى عند أفضلهم كما هو الحال ،في فرنسا مثلا، عند المفكر ادغار موران وعند المناضل جان-لوك ميلونشون ..ولا تسل عن العرب!

المثقف والمناضل المقصود هنا هو الذي يحول المسالة الوطنية ،في بلاد كفلسطين تعيش حالة استعمارية استيطانية أو في أخرى بجابنبها ومهددة كل يوم بالغزو كلبنان مثلا ، الى مسالة ثقافوية (الحادوية او علمانوية او دينية ..) ، أو سياسوية ديمقراطوية (ليبيرالوية )، أو حتى اقتصادوية ( يساروية) ..و من ثمة يجرّم أو يخوّن المقاومة الاسلامية الوطنية لانه ملحد او علماني ( او مسيحي أو بهائي ) او ديمقراطي ..او حتى اشتراكي. ويساوي بينها وبين المستعمر، من ناحية ، وبينها وبين التنظيمات الإرهابية القاعدية و الداعشية وغيرها،من ناحية ثانية.

ان نقد الاسلاموية الوطنية واخطاءها بل وخطاياها هنا ، من داخل الحركة الوطنية ، ولكن النضال الوطني معها ، بشكل من الاشكال مع حق وواجب التمايز عنها ، شيء .. واتهامها بالاجرام أو اتهامها بالإرهاب شيء أخر تماما.

فحتى لو يمكن فرضيا ، سجاليا وإجرائيا، ان نطلق صفة 'الإرهاب' على بعض افعالها ، بالمعنى اللغوي العام الذي يفيد الترهيب ..غير الجماهيري ، فانه يجب أن نميز سيميائيا- سياسيا بين الإرهاب الاستعماري و'الإرهاب الوطني' تماما كما كان ثمة تمييز بين الإرهاب الرجعي و'الإرهاب الثوري' في اروبا نفسها لمدة قرن كامل تقريبا من الإرهاب الشعبوي الثوري الفردي الروسي إلى إرهاب الالوية الحمراء والمنظمات الشبيهة في ايطاليا و فرنسا وألمانيا واليابان وايرلندا ...واليساريون بالذات يعرفون هذا لان شقيق لينين نفسه ،مثلا، كان ارهابيا شعبويا اعدم بسبب محاولة قتل القيصر ، ولينين لم يجرم أو يخون الإرهاب الشعبوي واكتفى بنقده الفكري والسياسي وطالب بتعويضه بالإرهاب الجماهيري الثوري ..المسلح أيضا.

ولهذا، فان وصف اي شكل مسلح يقوم به اي فصيل وطني من فصائل المقاومة الاسلامية بانه اجرام أو إرهاب ومساواته بالتالي بالشكل المسلح، المجرم والارهابي الفعلي ، الذي يمارسه الاحتلال او بالشكل الذي تمارسه تنظيمات مثل القاعدة وداعش وطالبان ، هو هراء فكري وسياسي واخلاقي لا غير .فثمة ،اذن، نقد من الداخل المقاوم للاستعمار الاستيطاني ونقد من خارج المقاومة ، وثمة نقد من اليمين الاستعماري أو العميل ونقد من اليسار الوطني ، وثمة بالتالي نقد ثوري او تقدمي ونقد رجعي .

ان العلاقة بين 'سلاح النقد' و 'نقد السلاح ' هنا يجب أن تكون مبدئية وواضحة فكريا وسياسيا واخلاقيا ؛اي لا تحيد اي خطوة عن مبدا الحق في المقاومة المسلحة للاستعمار من مرجعيات فكرية اجتماعية مختلفة وباحداثيات سياسية تنظيمية مختلفة ، وبالتالي رفض السلموية التي لا تخدم الا الاستعمار والاستيطان والعمالة والتطبيع دون عبادة كل ما تفعله البندقية.

بعد الاتفاق على المبدأ وليس بنفيه، بعده فحسب، يمكن نقد اي فصيل إسلامي مقاوم من داخل الحركة الوطنية نقدا فكريا وسياسيا وعسكريا وتنظيميا وديبلوماسيا . والحركة الإسلامية تنقد هنا فعلا :

- في تصورها الفكري - الديني للصراع الوطني -القومي-الانساني.

- في برنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الوطني ..ولكن المحافظ.

- في تصورها العسكري / الجهادي وما قد ينتج عنه على الارض في التكتيك والاستراتيجيا العسكريين من حيث الأهداف والخطط والشعارات والامكنة والمواقيت .

- في تصورها التنظيمي للنضال الوطني المشترك واختلافه عن النضال الجبهوي الوطني الحديث و ،خاصة، مبالغتها في تعميق ثنائية ' المقاومة الإسلامية ' مقابل 'المقاومة الوطنية'.

- وفي علاقاتها الإقليمية والدولية مع قوى محافظة وحتى رجعية بسبب تصوراتها الدينية للصراعات والتحالفات الدولية.

ان كل هؤلاء المثقفين والمناضلين ،بقطع النظر عن حسن النية، يقدمون بهذا الخطأ المركزي خدمة للاستعمار الاستيطاني من ناحية ، ويتنكرون لكل تاريخ نضال الشعوب ضد الاستعمار والعدوان حتى في بلدانهم العلمانية نفسها ؛ ان المقاومة المسلحة ضد النازية والفاشية في فرنسا وفي غيرها من البلدان الاوروبية كانت فيها فصائل مسيحية كاثوليكية ،وفي ايرلندا كان النضال ضد انجلترا الاستعمارية البروتستانتية يخاض جزئيا بمرجعية كاثوليكية ،وفي الاتحاد السوفياتي نفسه التجا ستالين للكنيسة الأرثوذكسية في مقاومة النازية ،وفي الصين وكوريا استعمل ماو تسي تونغ وكيم ايل صونغ الثقافة الكونفوشيوسية ضد الاستعمار الياباني حيث تسود العقيدة الطاوية، وفي كيبك تم استثمار الثقافة الفرانكو- كاثوليكية للنضال ضد الهيمنة الانغلو- بروتستانتية،الخ..ولا تسل ،عند العرب، عن نضال الحركة المهدية الوطني في السودان وعن الأمير عبد القادر الصوفي في الجزائر وعن عمر المختار السنوسي في ليبيا ،وعن شيوخ ثورة العشرين في العراق وعن الشيخ عزالدين القسام في فلسطين!

هنالك أمر فكري وسياسي وأخلاقي مركزي هنا يمكن التعبير عنه بلغة الفيلسوف الفرنسي المعاصر اندري- كونت سبونفيل الذي يعتبر نفسه 'ملحدا وفيّا' لاصوله اليونانو- رومانية واليهو- مسيحية - وهو كان في شبابه مؤمنا حركيا ناشطا في منظمة 'الشبيبة الكاثوليكية' الفرنسية اصلا - كما يلي :

هل انت مثقف ومناضل ملحد وعلماني( ديمقراطي أو اشتراكي) نقديّ ،نعم وبالتأكيد ، ولكن وفيّ لشعبك وللمشروع من حقوقه الوطنية وللمقاوم من ثقافته الوطنية تمزج بين الانسنية والديكولونيالية ،ام انت مثقف نقدي ،نعم وبالتأكيد ، ولكن جاحد لحقوق شعبك ومنسلخ عن ثقافته المقاومة ،كي لا نقول خائنا لهما .. باسم الكونية والإنسانية الليبرالوية أو حتى اليساروية؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات