في الفشل الاستراتيجي للعقل الصهيوني: أطروحة مركزية ونبوءة مستقبلية

كثيرا ما يقع الحديث في مناسبات مختلفة عن تفوق العقل الصهيوني في مجالات عديدة مثل المجالات العلمية والتقنية وغيرها وهذا صحيح جزئيا. ولكن الأطروحة المركزية النقيض التي يمكن الدفاع عنها بسهولة يمكن أن تتمثل في الأمر الاستراتيجي التالي: ان اختيار ارض فلسطين من قبل الحركة الصهيونية كي تكون وطنا قوميا ليهود العالم هو خطأ اخطاء الحركة الصهيونية الاستراتيجي وذلك للأسباب التالي:

-أولا- ان فلسطين ذات تاريخ ومخيال خاصين جدا بحكم خصوصية استثنائية ليس فقط في المنطقة بل وحتى في العالم و هما تاريخ ومخيال يزودان شعبها بقدرة رهيبة على التمسك بالجغرافيا وبخيال رهيب في صنع الثقافة و بقدرة عجيبة على الايمان بالمستقبل.

-ثانيا- ثم ان فلسطين محاطة بشكل مباشر بحوالي خمسمائة مليون مواطن من شعوب العرب والأتراك والفرس لا يقبلون بوجود إسرائيل بقطع النظر عن مواقف حكوماتهم الزائلة.

-ثالثا- وان هذه الشعوب لها بعض أعرق ثقافات العالم وكانت كلها في وقت ما من أعظم دول العالم مما يجعلها ذات عجينة اجتماعية تاريخية خاصة.

-رابعا - ثم ان ازدواجية التدين العربي الفلسطيني المسيحي - الإسلامي ضمن التدين الشرقي الخاص تجعل من اليهودية كدين اثني -قومي أضعف بكثير من دينين عالميين هما من أكبر الديانات التي تنمو في العالم حتى ولو،فرضا، تساوت قيمة الأديان الثلاثة رمزيا وهو غير صحيح في عيون المؤمنين بها.

-خامسا- وان تجميع يهود العالم في فلسطين مقابل تشريد الفلسطينيين بمسلميهم ومسيحييهم في دول الجوار والعالم يجعل عروق شجرة الشعب الفلسطيني تمتد في جغرافيا العالم كله لتتشابك مع كل أحرار العالم بينما بنحسر وجود القاعدة اليهودية للصهيونية ويتمركز في نقطة واحدة هي فلسطين دون أن يقضى على الوجود الفلسطيني بالداخل نفسه.

-سادسا - بل وحتى تقسيم فلسطين إلى أراضي 48 والصفة وغزة يعطي مفعولا عكسيا إذ يدفع سكان كل ثلث من الأرض إلى مزاحمة سكان الثلثين الباقيين في حب الوطن مما يرفع من الشعور الوطني الاستراتيجي عند الجميع على عكس نتائجه العارضة التي تسببها الاختلافات السياسية التكتيكية.

-سابعا- وفي المقابل، يعتبر تجميع يهود مختلفين في العرق والأصول النفسية-الثقافية من أثيوبيا مرورا باليمن وبشمال افريقيا والمشرق العربي وصولا الى روسيا وأوروبا و الولايات المتحدة عامل تعارض وتناقض يمكنه الاسهام في اضعاف الكيان من الداخل.

بكل المقاييس التي يمكن استنتاجها من المقدمات السابقة - والتي لا نقطة ضعف فيها سوى الأنظمة الرسمية المتغيرة مهما طال الزمن والتي تزداد عزلتها كلما طبعت علنيّا فيؤدي ذلك استراتيجيا الى عزلة الصهيونية نفسها عكس ما تعتقد تحقيقه من تعميم التطبيع - يمكن اعتبار ما خطط ويخطط له وما نفذه وينفذه العقل الصهيوني بمثابة تحضير لعملية انتحارية تاريخية لا أكثر ولا أقل لان كل شيء يسير عكس تحقيق الهدف الاستراتيجي وبوتيرة مضاعفة إضعافا متعددة -أول مؤشراتها اختلاف نسبة التزايد الديمغرافي نفسها - اذ باستثناء التفوق العلمي والتقني والعسكري المؤقت على الأنظمة الرسمية المحيطة سوف لا يتفوق الصهاينة مستقبلا على الأرض في أي شيء حتى عسكريا -شعبيا لو وقع تغيير طرق المقاومة كما بينت ذلك التجربتان الجنوبية- اللبنانية والغزاوية- الفلسطينية .

ان الأطروحة المركزية النقيض لتفوق العقل الصهيوني تتمثل، بمعنى ما ، في إثبات فشل ذلك العقل في توقع أنه لا يكفي أن يُسند العقل الديني السياسي اليهودي بتفوق العقل العلمي التقني الصهيوني للنجاح الاستراتيجي في التاريخ الذي يتطلب جغرافيا وديمغرافيا وثقافة غنية بمخيال وبخيال خاصين يمكنهم هزم أعتى الجيوش استراتيجيا مهما اسندت من أنظمة العالم وخدمت من انظمة المنطقة ، وبحيث يمكن للانسان ان يعلن نبوءة ويقول :

ان الصهيونية ستكون آخر مراحل تسييس اليهودية بنزعة استعمارية ومقدمة استعادة يهود الشرق والغرب لديانتهم ضمن العائلة الإنسانية. ولكن ان وعت الصهيونية ذلك،وهي تعيه، وان اقتربت منه في التاريخ خاصة ،وهي تقترب منه ، فإنها سترتكب اكثر من كل ما ارتكبته إلى اليوم من جرائم و بشكل لا مثيل له يفوق افظع الجرائم البشرية على الاطلاق في تاريخ الإنسانية .وهذا سيعمق الأزمة الاستراتيجية أكثر لأنه سيوسع من دائرة الضحايا ويعمق من قمعهم فينزع أكثر فأكثر كل مشروعية شعبية وسياسية وقانونية واخلاقية عن الصهيونية ليكون الانهيار نفسه كارثيا كما لم يحدث من قبل في التاريخ.

صحيح ان التاريخ ليس حتميا في تفاصيله الى هذه الدرجة مما سيتطلب تعديلات للصورة باستمرار. لكن كل عناصر المعادلة تعطينا الاتجاه العام الذي سيسير باتجاهه والذي سيكون للوعي والنضال الفلسطيني دور تعديلي باتجاهه كلما حاول الصهاينة تعديله في الاتجاه المعاكس بحيث يمكن أن ننهي واثقين تقريبا بالقول:

ان العقل الصهيوني بتركيبته الاستعمارية من نوع خاص سيقود الوجود الصهيوني حتما الى خنق نفسه بعُقال جيل من الأجيال قصر الزمان أم طال.

فلسطين من 'تفاؤل الإرادة' إلى 'تفاؤل العقل' :..

على الفلسطينيين ان يثبتوا تفاؤل العقل بعد أن اثبتوا أهمية تفاؤل الإرادة. وتفاؤل العقل يبدأ عبر إعادة صياغة المشروع السياسي الفلسطيني الجامع والتنظيم الفلسطيني الجامع. وقتها سأقول ان ما حصل كان انتصارا عظيما ولم يكن فحسب صمودا عظيما.

اما العرب عموما، فإني، بعيون تونسية، أراهم الآن بعيدين، بعيدين كثيرا عن القدرة على ان يكونوا في حجم اللحظة التاريخية الفلسطينية بتحويلها إلى مكسب عربي، بل أشك في انهم سيستفيدون اصلا من الدرس ولو قليلا بسبب الخراب الذي تعمم منذ سنوات عديدة بينهم.وارجو ان اكون مخطئا .

فكرت في كتابة هذا الكلام منذ أسبوع تقريبا، ولكن لم يكن من المناسب كتابته زمن المواجهة. واليوم حان وقته كي نبني مع العاطفة عقلا سياسيا لن يحصل أمر كبير من دونه.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات