كرة القدم ومحدودية الايديولوجيات الكبرى : في مديح اللعب الإنساني!

كرة القدم لعبة تستعصي على كبرى الأيديولوجيات -المغلقة خاصة- رغم قدرة كل واحدة منها على الاستثمار المالي، او الديني، او الثقافي، او السياسي فيها وتحقيق نتائج كبيرة احيانا و بكل تأكيد، وخاصة الأيديولوجيا الليبرالية حيث يقع تسليع كل شيء ومن ضمنه اللعب البشري.

اما باقي الأيديولوجيات ،و رغم امكان تحقيقها لإنجازات كروية كبيرة، فهي عادة ما تبالغ في محاولة اختزال تعريف ووظائف اللعبة في أطر ضيقة طبقية أو قومية أو دينية وتتجاهل تعريفها الإنساني ووظائفها الانسنية الذين تستغلهما الليبرالية وقتها من زاوية مصلحتها الربحية بالأساس.

ان ما يجعل تلك الايديولوجيات محدودة رغم قدرتها على تحقيق نتائج كروية هو، بمعنى ما، جدّيتها المفرطة الى حد تجاهل المنطق الداخلي لكرة القدم ..بوصفها لعبة بالتحديد .

فحتى الايديولوجيا اليسارية التقليدية ،التي تعترف بالحق في الرياضة وتمارس أفضل تعميم له من خلال النظام التعليمي العمومي، لم تكن تفعل ذلك إلا في علاقة تكاد تكون حصرية بالحق التقليدي في الصحة، ولكن ليس في علاقة مثلا بالحق في الترفيه المتأخر في الزمن عنها والذي تسلعنه الليبرالية ، ناهيك عن 'الحق في اللعب' ان شئنا!

ان عيب هذه الايديولوجيات الكروي الاساسي هو في انطلاقها من مفهوم عن الإنسان يقصي تماما أو يهمش كثيرا التصور الانتروبولوجي القائل ان الانسان هو ليس فقط حيوانا اقتصاديا، أو اجتماعيا، او سياسيا، أو دينيا.. بل هو أيضا " هومو لودنس" Homoludens، اي' كائن لاعب' يساهم اللعب البشري انتروبولوجيا في تعريفه وتمييزه وتطويره بتداخله المركب مع كل مظاهر الحياة .

اننا لا نلعب الكرة ،او غيرها من الالعاب بمعناها الحرفي فحسب . اننا نلعب بأشكال ما في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة والعلاقات الدولية ايضا لان اللعب هو، ايضا، حسب عبارة مارسيل موس الشهيرة ' ظاهرة اجتماعية كلية'.

ان اللعب هو خاصية من خاصيات الثقافة البشرية وان وجد اللعب عند بعض اصناف الحيوان أيضا ، ولذلك فإن الايديولوجيات ' الجدّية'- حد الحزن احيانا- تفشل حتى في تأطير أنصارها كرويا لأنها لا تفعل سوى استثمار اللعبة بعيدا عن اللعب نفسه فتتفوق عليها الليبرالية ليس لأنها لا تقوم بالشيء نفسه، بل لأنها تقوم به بليبيرالية ؛ بحبل أطول في رقبة الإنسان الحديث - حسب عبارة كازانزاكي الشهيرة - ؛الإنسان المستعبد و اللاعب في نفس الوقت !

لو راجعنا كتب يوهان هويزينغا ' الهومو لودنس' و روجي كايوا ' الألعاب والبشر ' و ادغار موران ' في التعقيد البشري' ، مثلا، لفهمنا لماذا تنتصر الكرة الدائرية على خطاب بعض الايديولوجيات المستطيلة الخشبي، ولانقذنا كرة القدم من الليبرالية التي تحول كل لعب بشري إلى ما يشبه القمار اللا انسني .

يحيا اللعب البشري ..الذي لا أفهم في قَدَمِه الكروية الكثير.. فأردت التنغيص الفكري عليكم قليلا ..ولكن من منطلقات إنسانية..وكلي طمع في عفو أصحاب الروح الرياضية !

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات