الحراك الاجتماعي وإدارة التوحّش

Photo

أكثر ما أحزنني في مداخلات نوّاب البرلمان استحضار أحد النوّاب ممّن يفترض فيهم العقل والفهم والضّبط المعرفي والمنهجي كتاب إدارة التوحّش لأبي بكر ناجي أحد منظّري تنظيم القاعدة وهو الكتاب الذي يعتبره عدد من الباحثين بمثابة إنجيل الحركات الجهاديّة بل هو أقصى ما وصلت إليه تنظيرات هذه الجماعات الإرهابيّة التي خطّطت لقلب الأوضاع في المنطقة وإسقاط الدّول واستعمال أبشع أشكال العنف والإرهاب لفرض مشروعها السياسي الدّيني بالقوّة …

وضعُ السيّد النّائب الجامعي الأكاديمي الحراك الاحتجاجي السّلمي في نفس خانة خطط مجموعات الإرهاب لخلق مناخات توحّش مثير للغرابة ... فكيف نقرأ حراكا احتجاجيّا دوافعه اجتماعيّة مهما كانت تجاوزاته وإحراجاته بخطّة إرهاب تقوم أساسا وابتداء وقصدا على إسقاط الدّولة و المنظومة برمّتها لأنّها تعتبرها طاغوتيّة؟ …

علما وأنّ التوحّش عبارة استعملها مؤلف كتاب إدارة التوحّش ويقصد بها تلك الحالة من الفوضى العارمة التي ستدبّ في أوصال دولة ما أو منطقة بعينها إذا ما زالت عنها قبضة السّلطات الحاكمة، ويعتقد المؤلف أن هذه الحالة من الفوضى ستكون "متوحّشة" وسيعاني منها السكّان المحليّون، لذلك وجب على القاعدة التي ستحل محل السّلطات الحاكمة تمهيدا لإقامة الدولة الإسلامية أن تحسن "إدارة التوحّش" إلى أن تستقر الأمور، علما و أنّ التوحّش عنده أفضل من الحكم الطّاغوتي في ظلّ الدّيمقراطيّة مهما كانت مساوئ التوحّش أي الفوضى العارمة …

كما استحضر السيّد النّائب أخطر مفهومين في هذا الكتاب " النّكاية والإنهاك " وقد وردا في كتاب إدارة التوحّش تحت عنوان الشّوكة " شوكة النّكاية والإنهاك " والمقصود بالشّوكة لدى صاحب نظريّة إدارة التوحّش الولاء بين مكوّنات المجموعة في منطقة التوحّش بما يشكّل رابطة جماعيّة أشبه بالعصابة القائمة على عصبيّة من نوع خاصّ يختلط فيها العقدي بالوجداني و السّلوكي والتنظيمي وتسمّى شوكة لأنّ هدفها الذي نذرت حياتها له هو مواجهة الأعداء " والمقصود هنا الدّولة وأعوانها " عبر العنف الجماعيّ المنظّم الذي به يتمّ تحقيق الشوكة …

والمقصود بشوكة النّكاية إشفاء الغليل من الدّولة الطّاغوتيّة وأعوانها عبر الانتقام منهم والتّنكيل بهم من خلال إثخان الجراح فيهم لترهيبهم وتدمير معنويّاتهم، أمّا شوكة الإنهاك فالمقصود بها تشتيت جهود الدّولة وإضعافها وتخريب مواردها وتدمير مؤسّساتها الحيويّة وضرب فعاليّتها …


• فكيف يمكن استدعاء هذه المفاهيم الخطيرة لتفسير حراك اجتماعيّ مدني مهما خرجت وسائل احتجاجه عن المعهود؟

• وكيف يقع إسقاط هذه المصطلحات على هذا الحراك؟

• وكيف يقع إدراج هذا الحراك الاجتماعي مهما كانت انفلاتاته في نفس خانة نظريّة التوحّش ومنظومة الإرهاب؟

حقيقة أنا في أشدّ حالات الاستغراب والحيرة من طريقة الإسقاط وعدم مراعاة الفوارق في التّحليل والفهم واستقراء الأحداث والوقائع وخلفيّاتها …

لقد كان يفترض أن يكون ما وقع في بن قردان من التفاف والتحام بين المواطنين العزّل وقوات الأمن والحرس والجيش لمواجهة مشروع تركيز إمارة داعشيّة في الجنوب التّونسي أداة تحليل لشخصيّة التّونسي وضميره … للتّميز بين الاحتجاج من أجل العدالة الاجتماعيّة وحقّ المهمّشين في التنمية، والتّخطيط لإسقاط الدّولة والمنظومة برمّتها والالتقاء موضوعيّا مع المشروع الدّاعشي تحت عنوان إدارة التوحّش …

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات