قناعة بحثيّة

Photo

باختصار شديد ودون فلسفة وبلاغة وإنشائيّات وتحاليل جوفاء، خلاصة المشهد أنّ ما لم يتحقّق بالدّيمقراطيّة يراد له أن يتحقّق بوسائل أخرى ملتوية، استنفار للالتفاف على الدّيمقراطيّة من خلال محاصرة مخرجات الدّيمقراطيّة، التي من أبرزها وجود التيّار الإسلامي في المشهد السياسي، هذا التيّار لم تقصه الصّناديق رغم أخطائه ومواطن قصوره ورغم كلّ ما يمكن أن يقال عنه حقّا وباطلا،

قناعتي البحثيّة لا السياسيّة " لست من أهل السّياسة ولن أكون" أقولها بكلّ صراحة ووعي سوسيوسياسي أنّ إخراج الإسلاميين من المشهد السياسي بغير الوسائل الدّيمقراطيّة هو نهاية لمسار الانتقال الدّيمقراطي في تونس واجهاض للثّورة وفتح الباب للاحتراب الأهلي والتدخّل الخارجي،

الإسلاميّون ليسوا أكثر وطنيّة من غيرهم ولا أكثر كفاءة ولا أكثر صدقيّة ولكنهم ليسوا الأسوأ بين جميع السيّئين الذين يتداولون على المشهد، بل لعلّهم الأقلّ سوءً، في كلّ الأحوال يكفي أنّ الصّندوق هو من جاء بهم وأبقى عليهم رغم كلّ التعبئة ضدّهم التي لم تتوقّف طيلة عقد الثّورة

مواجهة الإسلاميين سياسيّا في إطار التّوازنات السياسيّة أمر مشروع، لكن لا يجب تدمير كلّ المنجز الدّيمقراطي من أجل إقصائهم وإخراجهم عنوة، هذه خدمة مسداة للفاشيّة وعودة الاستبداد، مواجهتهم بشرف تقتضي إنشاء أحزاب قويّة ذات رؤية وبرنامج لا حزيّبات "جوتابل " وظيفيّة متنافرة المشارب والأهواء والمصالح والنرجسيّات المتورّمة،

بحزيّبات على هذا النّحو لا يمكن مواجهة تيّار سياسي ذي عمق اجتماعي وثقافي وامتداد بشري وجغرافي وتاريخي ورصيد نضالي وذاكرة معبّأة بثقافة المحنة والمعاناة، سرعان ما تستجمع مواردها البشريّة وتستنفر رصيدها عندما تستشعر الخطر.

المواجهة الكسولة الرّخوة فقيرة الخيال ضعيفة الحيلة الفاقدة لشروط القوّة الذّاتيّة هي التي تستقوي بالوسائل غير الدّيمقراطيّة التي لن تزيد خصمها إلّا قوّة وصلابة وتماسكا ومناعة.

يبدو أنّ أصدق حقيقة وأكبر منجز منذ الاستقلال وازداد تعزّزا وترسّخا بعد الثّورة أنّ الجيش والأمن "مضمونان" على غير ما تصوّر زعيم التيّار الإسلامي الذي لم يحسن قراءة المشهد وهويّة الدّولة ومؤسّساتها الوطنيّة في تلك اللحظة الفارقة، ومن يراهن عليهما لتغيير التوازنات السياسيّة وتجاوز الآليات الدّيمقراطية واهم رغم كلّ محاولات الاستدراج والإقحام.

قطار الدّيمقراطيّة انطلق في تونس رغم كلّ التعثّرات وليس من مصلحة أحد إيقافه وقطع طريقه.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات