قلب الرّداءة

Photo

انتهى اليوم غير مأسوف عليه المسلسل المهزلة الذي اقترف جرائم أخلاقيّة وتوثيقيّة وفنيّة بحقّ التّاريخ والأجداد ومقاومة الشّعب ... لم نكن ننتظر من عمل دراميّ أن يمجّد لنا التّاريخ ويصنع لنا الأساطير المضخّمة والسرديّات الإعلامية على غرار ما فعلته بعض الدّول في مسلسلاتها التمجيديّة التي تحتفي بالتّاريخ الوطني والذّاكرة الجمعيّة ورموز الوطن وابطاله …

كنّا سنقنع بسيناريو هادئ معقول يعرض علينا بالحدّ الفنّي المقبول الحدَّ المتّفقَ عليه تاريخيّا والمتوافق عليه في ضمير الشّعب وذاكرته مع حبكة دراميّة متينة وسياق دراميّ متناسق ...

لكن المسلسل اخترع قصّة مفبركة مفكّكة مفتعلة واهية بأخطاء تاريخيّة جسيمة ليدّعى لاحقا أنّها لا تمتّ إلى الواقع بصلة بينما الإحالات المرجعيّة على المكان والزّمان والأشخاص والقضايا والمنظمات بيّنة صريحة في السيناريو ...

إضافة تلك العبارة التمويهيّة التبريريّة استبلاه لعقول التّونسيين وخداع لذكائهم واحتيال عليهم باسم الخيال الدّرامي ... مكمن الغبن أنّ هذا المسلسل ضمّ شخصيّات فنيّة وازنة وثقيلة من حيث تجربتها وكفاءتها الفنيّة لكنّها تقمّصت أدوارا لا تليق بها وساهمت في عمل لا يليق بالبلد ومقاومته.

حصيلة هذا المسلسل الذي لا نتمنّى له جزء ثانيا حتّى لا تتواصل المهزلة " جنون أمّ البطل المقاوم وحمل سفاح لأخته من المستعمر وضياع حبيبته بسبب خيانة صديقه الذي استأمنه عليها وزعماء ومناضلون سياسيون جلّ نشاطهم في الخمّارات وعلب اللهو تقسّمهم الخلافات وتشغلهم التّصفيات والعلاقات العاطفيّة المهووسة دون نسيان كثرة القوادين والوشاة والمطبّعين مع الاستعمار من أبناء الشّعب. "

أغفل المسلسل كلّ ما دوّنه المؤرخون وما وثقته الذاكرة الشفويّة من أحداث ووقائع وروايات وقصص معبّرة وسير ذاتيّة لنساء ورجال قدّموا تضحيات جسيمة في سبيل طرد المستعمر ... لكن صاحب السيناريو ضرب بها عرض الحائط ليختلق قصّة ملفقة من نسج خيال فقير وعالم فنيّ رديء لا روح فيه ولا لحمة ولا شحنة وطنيّة ... كأنّه كان مستعجلا يسابق الزّمن ليتخلّص من هذا الوليد المشوّه لتشتريه قناتنا الوطنيّة بأموال الشّعب وتعرضه كمجرّد إطار لتمرير الإشهار الذي زاد الحلقات تفكّكا وتشتيتا فبدا كأنّه مجموعة من السكاتشات المركّبة ...

يبقى الاحترام قائما لقامات فنيّة أساء لها المسلسل من مثل دليلة المفتاحي وفتحي الهدّاوي وعيسى الحراث ولطيفة القفصي ورؤوف بن عمر ... أمّا مشخّصاتيّة السكاتشات الهزليّة السطحيّة فيحتاجون الكثير من الدّربة والنّضج الفنّي والفكري للانتقال من تقمّص أدوار السّنكحة والإضحاك إلى دور الابطال ورموز الذّاكرة الوطنيّة …

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات