نصٌّ لن أنساه!

Photo

ملاحظة:بكيت وأنا أكتب هذا النص الذي أثار في ذكريات لا تنسى مع معلمي ومع هنية.. لن ينسى الطيب الجوادي هذا النص حتى وهو في هذا العمر!

طفل يلبس لباسا نظيفا أنيقا، وصورة والده وهو يضع طربوشا و"كارافات"، معلقة على الحائط، وأمامه والدته تلبس لباسا إفرنجيا وشعرها مكشوف ! لمّا أريت الصورة لهنية رحمها الله حوقلت وصرخت فزعة:

- يا وليدي منين ها المرا اللي ما تحياش؟ آخي ما عندهاش محرمة تستر شعرها؟

- هاذيكا أم مبروك يمّة.. أجيبها بسذاجة

- وشكونو مبروك؟ ترد مستغربة.. اللي أمّو كي الڤاورية لا دين لا ملة؟

- والله ما نعرف، المعلم ڤاللنا نحفظو الكتيبة واكاهو..

والحقيقة أن الذي كان يثير خيالي، واستغرابي أكثر: صورة الطفل الذي ينهض من فراش وثير نظيف، ويعامله أبوه معاملة رقيقة لطيفة إلى درجة أنه يُصبّح عليه بل ويقول له يا ولدي!

فلم أكن حتى ذلك الزمن، أواخر الستينات، قد رأيت سريرا أو سمعت به، فقد كنا نتكدس جميعا ومعنا والدانا فوق حصير بال بائس متهرئ! ولم أعرف السرير إلا في المبيت، وقد أكّد لي المنصف ولد عمي لما اطلعته على الصورة أنه نام على هذا الشيء، في مستشفى الكاف عندما اضطر للإقامة فيه لما انكسرت ساقه بعد سقوطه من على ظهر بغلتهم..

أيضا لم يكن والدي من النوع الذي يصبّح على أبنائه أو يعاملهم بلطف ورقة، ولم أسمعه مرة واحدة يناديني فقد كان يصيح في وجهي، ويشتمني حتى وهو يأمرني أن أساعده في أمر من أموره..

- إيجا يا ولد الحرام، ازرب يا سخطة، اسمع يا مصطك..

كانت هذه وما شابهها هي أدوات الخطاب عنده.. لكم حسدت مبروك على فراشه وأمه وأبيه وغرفته النظيفة المرتبة التي تخصه وحده، ولكم حلّق بي الخيال بعيدا وأنا أقارن حياتي بحياته..

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات