الڨازة

Photo

إلى تلاميذ السابعة أساسي

كنّا ستة إخوة ..أربعة أولاد وبنتين. وكان منزلنا المبني بالطوب والمغطّى بجذوع الأشجار، مكوّنا من غرفة واحدة لأكلنا وشربنا ونومنا ولعبنا واستقبال ضيوفنا..

الحقيقة أنّنالم نكن نملك شيئا ذا بال.. كانت أشياؤنا بسيطة، ساذجة، لكنّها تفي بحاجاتنا الضرورية التي لا غنى عنها! كنا نفترش الأرض، ونشرب من النهر ونعتمد على حمارنا في التنقل والحراثة وجلب الماء من العين. ولم يكن الفقر هو الذي يثير حفيظتي، بقدر ماكان يثيرها اضطراري للنوم باكرا، أنا الذي أعشق السهر حتى الفجر، بسبب الاضاءة التي تؤمنّها لنا " الڨازة" التي تشتغل بالبترول الازرق، والتي لا يمكن أن تؤمّن الإضاءة أكثر من ثلاث ساعات في أقصى الأحوال وإلا "نَشَحتْ" من " الڨاز" واحترق فتيلها و" أكلتُ طريحة معتبرة من الوالدة "!

لذلك كان علينا جميعا أن ننتهي من عشائنا وأن نحضر دروسنا قبل نفاد " الڨاز".. ولكن مأساتي الشخصية هي أنني كنت مولعا بالمطالعة حدّ الهوس، ولم يكن ممكنا أن أبدأ إحدى أقاصيص المكتبة الخضراء أو أقاصيص كامل كيلاني دون أن أنتهي منها! لذلك كان عليّ أن أراقب " الڨازة" وهي تسلم الروح شيئا فشيئا بقلق بالغ ومرارة لا توصف! والغريب أن " الڨازة" الملعونة لا تسلم الروح وتستسلم لقدرها إلا في لحظة بلوغ الأحداث في قصتي نقطة اللاعودة! اللحظة الفارقة التي لا يمكن معها أن أنام دون أن أعرف مصير البطل لحظة مواجهته للجني الشرير! أو الساحرة! أو الغول!

وكان عليّ أن أتصرف بسرعة، أترجّى هنِيّة أن تتدبر لي شمعة، أو تعيد تعبئة "

-ارقد يا شنتي، تهب في وجهي مزمجرة، ما ناقصين كان خراريفك إنت..

لكني وجدت الحل العبقريّ!

فقد كنت أتسلّل بهدوء من الفراش بعد أن أطمئن أن الجميع قد خلدوا إلى نوم عميق، فأقصد "النوّالة"* المحاذية للمنزل، فأشعل شمعة خبأتها هناك، وأنتهي من قصتي المشوقة ثم أتسلل من جديد لفراشنا الجماعي!


*النوّالة: غرفة صغيرة ملحقة بالمنزل، يتمّ فيها احضار خبز الطابونة وما شابه..

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات