يوم قررت هنية استبدال فولارتها العربي بخمار شرقي

Photo

في ريفنا الكافي الخالد، (وفي كل أرياف البلاد)،لم يكن أحد يفقه أو يهتمّ بالدعوات من هنا وهناك لتحرير المرأة! فالمرأة الريفية كانت تشارك الرجل العمل الفلاحي وتخرج للحقول كلما كان ذلك ضروريا.. وكان لباس الريفيات موحدا لا يكاد يختلف بين إمرأة وأخرى:"المحرمة العربي والتقريطة" على الرأس والملحفة أو الحولي وتحتهما "مريول فضيلة"، وكذا الحزام العربي الشهير، وكانت الريفيات تتزيّن بالخلخال والحْجِرْ وغير ذلك من الحلي التقليدي المصنوع من الفضة !

كان وعي هنيّة مطمئناّ لا تشوبه شائبة .. تصلي صلاتها على طريقتها.. تصليها واقفة في الصباح، وجالسة إذا عادت متعبة مساء من الحقل.. وقد لا تصليها إطلاقا إذا لم تجد الماء أو ال"ركايب"، أي عندما لا تكون لها القدرة على الوقوف لسبب أو لآخر ..

وكانت تحفظ بعض السّور القصيرة، وقد وجدتُ عنتا وأي عنت لأعلمها كيف تنطق سورة الفيل بطريقة سليمة!

فقد كانت تقرأها بهذه الطريقة: "يا لندرى واش عمل ربي بأصحاب الفيل؟"..

- ألم تر، يمّة، ألم تر !!

- يا لندرى، يا لندرى!!

- حاولي يا هنية هكة راك تكسر في القرآن!

وتحاول هنية وتحاول حتى تنجح أخيرا..

وظهر الإسلام السياسي! وظهر الحجاب الشرقي والجلباب وغير ذلك من ألبسة وأفكار بلبلت العقول وأربكت الأذهان !

وقررت هنية ذات يوم أن تنزع فولارتها العربي وملحفتها الكافية البديعة لتستبدلهما بخمار وجلباب!

- يمّة، وعلاش تحب تلبس خمار؟ محرمتك تكفي،بادرتها حانقا..

- وليدي هاي بنت عمك قالت اللي المحرمة العربي موش مذكورة قي القرآن، والحجاب هو اللي مذكور، أجابتني مستسلمة!

- لا يمّة موش صحيح، المقصود بالخمار والحجاب، أي حاجة تغطي الرأس، ومحرمتك قايمة بالمهمة

- لا وليدي، الأخوات متاع الحومة قالولي لازمك تلبسي لباس شرعي، ردت جازمة..

وأدركت أنه لا جدوى من إثناء هنية عما عزمت عليه، وأنه لا أمل في أن أراها بلباسها الكافي الفاتن..

- اشنوة آخر قالولك الأخوات يا هنية؟

- قالولي اللي أنا نكسر في القرعان وناقصة في الفقه!

وغلبني الضحك على أمري، فغضبت هنية، وظهر ذلك جليا على محيّاها..

- يمّة والله ما ناقصك شيء، وانت متدينة من عند ربي، خليك كيما إنتي، المهم قلبك نظيف والناس يحبوك !

ولكن وعي هنية أصبح شقيا بعد اطمئنان، وأصبحت لا تقبل على شيء إلا وسألتني قبل أن تقدم عليه:

- زعمة وليدي، ربي يحب هكة؟ زعمة حلال وإلا حرام؟

- حلال يمّة والله حلال!

- حتى نسأل الأخوات تجيبني مرتابة!

وشيئا فشيئا تخلت هنية عن عاداتها الجميلة وأسلوب عيشها الفريد خوفا من عقاب الله الذي كانت من قبل تعبده بدون تكلف أو شطط!

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات