التلفزة الوطدية: من تونس 7 إلى تونس 25

في عهد المخلوع بن علي، وقبل دخول الفضائيات إلى تونس،كان أبي رحمه الله يُحبّ النشرة الإخبارية على القناة 7 ( وهي قناة لا سادس ولا خامس قبلها، ولكنها تحتسب الأرقام بطريقة "أهل عطارد" الذين يجلعون الواحد والعشرين يعقب السبعة)، وكان يعترف لي ولإخوتي بأنها أخبار "تافهة" لكنها كانت بالنسبة إليه أفضل من"عجمة" الايطاليين وعرائهم.

لم يكن أبي رحمه الله إلا رجلا أمّيا لكنه كان على حكمةٍ عظيمة ،خاصة عندما يصوغ الواقع بعبارات "بسيطة" تغنيك عن تعالم غيره. كنت أُظهر له دائما "كرهي" للنشرة التونسية فكان يبتسم ويقول: "وليدي تفرّج و تعلّم الصبر".

وبالفعل فقد أخذت بنصيحة أبي "بحرفيتها" وجعلت مشاهدة الأخبار أحيانا نوعا من "التمرين" الطوعي على الصبر. كنت أجلس أمام التلفزة الوطدية وأضع الساعة اليدوية أمامي، ثمّ أشاهد ما يسّره لي الصبر من الأخبار المحلية دون أن أنسى التثبّت في المدّة التي قد مرّت علي وأنا في حال"الصبر على ما أكره".

مات أبي رحمه الله منذ سنين،وصارت القناة الإيطالية و تلك الفرنسية ضربا من القنوات "المهجورة" بعد ظهور الفضائيات، لكنني مازلت إلى الآن أتعلّم الصبر "أحيانا" بمشاهدة التلفزة الوطدية 1( 25 بالتقويم الجديد)، ولم أعد مضطرا لممارسة رياضة "الصبر" في شريط الأنباء فحسب، ولا في القنوات العمومية وحدها، بل صار لنا غيرها من القنوات الخاصة ومن البرامج "الخُوارية"( نسبة إلى خوار عجل السامري أو الإله الزائف)،

تلك البرامج التافهة التي تذكرنا بأنّ للصبر مذاقا لا يعرفه إلا الغرباء والمقهورون ممن لا صوت لهم، وتذكرنا بأن للعبودية والاستعلاء الفارغ لذة لا يعرفها إلا الوطد ومن هو على مذهبه في تزييف الحقيقة وخدمة السلطة وبث الكراهية بين المواطنين.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات