الأستاذ هشام جعيط : كان أستاذا استثنائيا، قل أن يجود الزمان بمثله. رحمه الله وأكرم مثواه.

Photo

قد لا يختلف طلبة الأستاذ هشام جعيط في أن دروسه كانت تشعّ بهجة ومتعة لا مثيل لها، تحس خلالها بأن أفكاره وليدة اللحظة، حتى أنه قد يعنّ له أن يذهب في فكرة أو رأي ثم يتوقف ليراجع ما كان يقوله أو حتى يتراجع عنه، كل ذلك في لغة مطرّزة متينة وفي سلاسة كأنه يملي فصول كتاب.


...

أتذكره ذات مرة عندما توقف عن الكلام ليتوجه إلى زميلتين أمامه لاحظ أنهما مشدوهتان قائلا لهما: أضعتما؟ في شهر جانفي من تلك السنة كان قد أضاع جذاذات درسه، وقد سألنا عنها أكثر من مرة دون طائل، إلا أنه لم يتأثر، وما تغير بالنسبة إلينا فقط هو أنه استعاض عنها بالنظر إلى أعلى وكأنه يقرأ من بعيد شيئا لا نراه. أكيد أني لو لم أدرس عنده لغبطت طلبته.

وقد درست عنده في سنتي الأولى ثم درست مادتين في المرحلة الثانية، كان أستاذا استثنائيا، قل أن يجود الزمان بمثله. رحمه الله وأكرم مثواه.

محمد ضيف الله



هشام جعيط : نشازا ابداعيا غير مندمج تماما في الايستابليشمنت الاكاديمي…

Photo

من طريف ما رواه الراحل هشام جعيط بمرارة في احد البرامج حول سيرته ..انه اثر عودته الى تونس بعد رحلته الدراسية تمت تسميته للتدريس الجامعي في كلية الشريعة و اصول الدين على أساس ان مواصفاته العلمية لا تطابق مواصفات الاكاديميا التونسية في كلية الاداب و العلوم الانسانية في سياق ابيستيمولوجي كانت فيه الاكاديميا التونسية مهووسة بالتشاكل مع التقليد الجامعي الفرنساوي .... قبل ان يصبح احد القامات الكونية في التاريخ الاسلامي ..

و ظل مع ذلك نشازا ابداعيا غير مندمج تماما في الايستابليشمنت الاكاديمي… ديكولونياليا باستمرار …و لكن تلاميذه قطعوا الان بالجامعة التونسية خطوات عملاقة نحو البرء من عقدة الاستشراق الالحاقي .. قصة المعرفة مثل قصة السياسة …


…

بعض المتعالين يستهزؤون من عامة الناس او من متوسطي المعرفة الاكاديمية كيف يلهجون بالترحم على المفكر هشام جعيط على أساس انه من اختصاصهم هم فقط معرفة كبار المفكرين ..المفروض ان نسعد بأن يضج الفايسبوك و حتى البرامج الاعلامية اليومية بالإحساس بالفجيعة بموت مفكر …هذا امر ايجابي …حتى من لا يعرفه سيحاول ان يقرأ عنه و اذا لم يفهم طلب من يفهمه …

الاعلام الجماهيري سابقا مع خالد التلاتلي و فرج شوشان مثلا ساهم في تنزيل المعرفة المختصة الى الناس دون اضرار بقيمتها العلمية …الفولغاريزاسيون للمعرفي الجاف هي مهارة لا يتقنها كثيرون و هي مطلوبة لبناء العقل الجمعي بالقدر المطلوب من خصائص العقلانية …اصلا الي ما ينجمش يفهم حاجة صعيبة للناس يعني هو مش فاهمها ..عندما يقول لي بعض طلبة العلم استاذ الفلسفة متاعنا صعيب ما ننجموش نفهموه اقول في خاطري همسا مادام ما نجمش يفهمكم يعني هو مش فاهم ….

لا أرى داعيا للغضب من موقع الراحل هشام جعيط عند السلطة و عامة الناس…السلطة و العامة يجب ان لا يعرفوا / يعترفوا بالمفكر و من الخطأ ان يهتم المفكر بالبحث عن سبل افتكاك الاعتراف منهم ..وقتها يكف عن التفكير …كل المفكرين ( المفكرين بالفعل اقصد ) في كل العالم و في كل حقب التاريخ لا تبدو علاقتهم جيدة بالسلطة و عامة الناس …هم يفعلون في مجال اخر….هذا هو الامر الطبيعي .. السلطة تعترف احيانا بالمفكر بعد موته لتأميمه و العوام يعترفون به للتباهي او للحجاج …اذن …نورماااال …المفكر ليس سياسيا او راقصة …

الحبيب بوعجيلة



" عاش يتمنّى في عنبة "

Photo

من باب الإنصاف هذا المثال لا ينطبق عليه حيث لم تحتف تونس بعد الثّورة بمثل ما احتفته بمؤرّخها الأكبر بعد ابن خلدون الدّكتور هشام جعيّط حيث تقلّد أرفع منصب علميّ " رئيس بيت الحكمة " والصنف الأول من وسام الجمهورية و الصنف الأول من الوسام الوطني للاستحقاق .


…

كما حاضر في القصر الرّئاسي زمن الرّئيس المنصف المرزوقي واستقبله الرّئيس المرحوم الباجي قائد السّبسي واستضيف في النّدوات الكبرى داخل أسوار الجامعة وخارجها واحتفى به الإعلام وأثارت كتبه النقاشات وفي خضمّ كلّ ذلك بقي محلّ احترام وتقدير وإجماع على قيمته العلميّة لدى كلّ الفئات والمدارس الفكريّة حتّى لدى من اختلفوا مع بعض أطروحاته ومقارباته …

هو عالم ومؤرّخ استثنائيّ سيحتاج البلد لاستعادة مدوّنته عندما يتخفّف من إيقاع السياسي اليومي وتجاذباته ومعاركه الصّغيرة … لصالح تحرير العقل من القداسات والدّغمائيّات في مقاربة الماضي وتشخيص الرّاهن واستشراف المستقبل …

رحم الله هشام جعيّط

سامي براهم

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات