أمام هذا الانهيار لا مهرب من حكومة ثوريّة

تعاقب الحكومات المتسارع طيلة 10 سنوات، لهو أكبر دليل على عدم تماهي طريقة الحكم مع طبيعة المرحلة. إذ لا يمكن لل"اصلاحية" أن تقود بنجاح مرحلة ثورية... لقد وقعت صياغة المشهد السياسي وهندسته من قِبل من لا رغبة لديهم في تغيير التوازنات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية... توازنات قامت على مدى أكثر من قرن ونصف (على الأقلّ) على مفهوم الهيمنة. هيمنة الأقليّة على الأغلبيّة من ناحية، ووقوع البلاد تحت هيمنة دول كبرى. وحيث تقاطعت الهيمنتان، فيما يشبه نظام المناولة…

انتفاضة 17/14، كانت تتوق لأن تكون ثورة على هذه الهيمنة... ولكنها أُجهضت في المهد، حتى لا تحدث القطيعة ولا يحدث التأسيس.

اليوم تعاني البلاد من منظومة حكم أريدَ لها أن تكون بهذا الضعف...

ضعف سيؤدّي حتما إلى الانهيار الذي بدأت علاماته بادية للعيان…

من هنا تأتي حتميّة صعود المنظومة الثوريّة... لا تلك الفولكوريّة التي نراها اليوم عند من نصّبوا أنفسهم ناطقين رسميين باسم الثورة أو "محسوبين على الثورة"... إذْ لا يمكن أن تكون ثوريّا وأنت في هذا المشهد…

الحكومة الثوريّة القادمة لا محالة، والّتي يجب أن تكون من خارج هذا المشهد، ستكون مهمّتها الآنية العاجلة شنّ حرب شاملة بكلّ أنواع الاسلحة وبأقصى ما يمكن من سرعة ضدّ الفساد بكلّ أشكاله ومستوياته... فبتفكيك منظومة الفساد، وطرح ملفاته على الملأ، في ظلّ قضاء استثنائي... نعم قضاء استثنائي... فمنظومة القضاء الحالية ينخرها هي الأخرى الفساد...

طبعا لا بدّ من هندسة جديدة للحكومة حتّى تنجح في تحقيق هذه المهمّة الدّقيقة والخطيرة، والتي لا يمكن لمؤسّسات مترهّلة أفرزتها "الإصلاحية" أن تنفّذها. فالحرب ضدّ الفساد كما نراها، هي أكبر من أن يوكل أمرها لهيئة دستورية، يفرزها برلمان مشكوك في ولاءات أفراده، بطريقة "توافقيّة". لا بدّ من احداث وزارة هامّة لخوض هذه الحرب (حتّى وإن كانت هذه الوزارة محدودة بزمن معيّن). وزارة تأخذ مكان وزارات لا طائل من وجودها، كوزارة المرأة، والشباب والرياضة، والبيئة، والشؤون الدينيّة، فهذه مجالات تكفي فيها الوكالات أو إدارات الحكم المحلّي. وزارة لها قضاتها، ومحاسبيها، وخبرائها، وأمنها الظاهر والخفيّ.

عندها ذلك يمكننا الحديث عن القطيعة وعن التأسيس وما يتبعهما من فتح للملفات الكبرى: التعليم والصحة والفلاحة والموارد والبيئة والثقافة والسكن الخ…

وعندها ستفتح ملفات من يتاجرون ويبتزّون ويستثمرون في الإضراب وفي الاعتصام.

سيقول المرجفون كعادتهم أنّ هذا الكلام "غير واقعي"، وهو "مراهقة سياسيّة" وإفراط في الطوباويّة" و"ثورجيّة"... لا بأس... فمثل هذه الاتهامات كانت ولا تزال تلقى في وجوه الثوريين... ولكنها لا تفتّ في عزيمتهم التي هي رأس مالهم وسلاحهم الأقوى على الاطلاق... وبيننا وبينكم الزمن…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات