عن هذا "الكرنوك" المثير للجدل، طبيب إعلام البراغيث

يصيبني الإحباط حين أتأمل ما يصل إليّ من إعجاب أحد أصحاب المؤسسات الإعلامية بأحد الكرانكة* المثيرين للجدل العقيم بصفته "إعلاميا عظيما": من معرفته في الأجواد واحترامه للعلم والمعرفة، يعرف هذا "الكرنوك" الذي يشبه في الإعلام طبيب أمراض طفولتنا في ريف سركونة القصيّ، حين اكتشفنا فيما بعد أنه مجرد عامل من "طشاشة دواء البراغيث والبق" في الأرياف في سنوات الستين والسبعين، عملنا منه طبيبا من جهلنا،

ذكرني ذلك بأحد مآثر الراحل صلاح الدين العامري مؤسس دار أنوار، في احدى مناوراته مع عبد الوهاب عبد الله في أعلى مراحل نفوذه حول محتوى جريدة الشروق، قال له: "عندك أربع أو خمس مناسبات وطنية سنويا، أعطيك فيها جريدة الشروق كاملة، انشر فيها ما تشاء، في الباقي: دعني أمارس الصحافة"،

كان العامري رحمه الله صانع صحفيين وصانع محتوى بموهبة فذة في العثور على الأقلام الحقيقية والاستثمار فيها والصبر عليها، وهو ما نفتقده في زمن الحرية وعصر الكرانكة حيث تمشي أموال طائلة للاستثمار في الحمقى والمجذوبين بدل الاستثمار في العمل والعلم وطلب النتائج، هل تعتقدون أن إنجاز برنامج تلفزي حواري جيد يجمع التونسيين حول الأسئلة الحقيقية ويحقق حصادا من الإشهار الجيد صعب؟

أن إنجاز برنامج أسبوعي بساعة ونصف في الاستقصاء الصحفي أو الريبورتاجات يهزم مسلسلات الحب الغبية ويخلص نفسه ماليا مكلف؟ أبدا: هي عملية صناعية بسيطة حتى لأولئك الذين يملكون المال ولا يعرفون شيئا عن الصحافة: شروط الصحفي المنتج في المقدمة وشروط صاحب المؤسسة في النتائج.

أما بالنسبة للمؤسسات الكبرى، فصناعة الصحفيين والمنتجين هي استثمار متوسط وطويل المدى، وليسوا "كرانكة" الصدفة والشتائم، أطباء البراغيث، هؤلاء الذين يداعبون أسوأ ما في غرائزك ويتساءلون عن اتجاه مزاجك كل صباح للاستثمار فيها، هم ليسوا فقط يأخذون فلوسك بغير حق، بل يدمرون مزاجنا وأخلاقنا،

وفي الأثناء يدمرون سلسلة الإنتاج الصحفي ويجعلون من الصحفي عبدا لمزاج الكرنوك الذي هو عبد لمزاجك الفاسد بسبب فهمك الرديء للسياسة والسلطة، حتى أن الصحفي الجيد هو الصحفي المتملق لمزاجك وليس من يحترم القواعد الصناعية للمهنة، فما بالك بالإبداع، أنت تخلق مناخا ساما في الإعلام، لا تعيش فيه سوى البكتيريا والجراثيم الإعلامية. الدليل أنك معجب بالكرنوك العظيم، قاهر صناعة الصحافة، وأنك تتمعش من عدم وجود صحافة جيدة، faute de mieux،

*الكرانكة، جمع كرونكوروفق صديقي جدا وزميلي وشريكي لربع قرن في مغامراتنا في جريدة الشروق الغراء شكري الباصومي chroniqueur، chronos، من الإلاه اليوناني الأصلي كرونوس سيد العلاقة بين الزمن والمكان، حامل الساعة الرملية المقدسة،

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات