تحت السقف المرعب لما ذكره السيد الرئيس: كيف يمكن أن نكون ديموقراطيين دون أن يفوز الإسلاميون؟

قرأت للسيد الأمين العام لاتحاد الشغل مقولة: "لحظة حسم المعركة الوطنية آتية لا ريب فيها"، وهي استعارة لا تجوز من النص القرآني حول قيام الساعة ونهاية العالم، المشكل أني "والله العظيم"، بصفتني مواطنا وصحفيا يدفع انخراط الاتحاد، لا أعرف أصلا هذه المعركة ولم نتفق عليها بل إن كثيرين من كبار موظفي الدولة يهمسون أنه آن الأوان لوقف تدخل النقابات في قرارات تسيير المؤسسات العمومية، وقد شاهدت السيد زهير حمدي أمين عام التيار الشعبي في قناة تلفزية خاصة يطلب أن يتولى اتحاد الشغل حملة وطنية في الجهات لتحجيم دور حركة النهضة لكي يخرج من دوره النقابي إلى منافسة الأحزاب، وتساءلت لماذا لا يفعل السيد زهير حمدي بنفسه ذلك لإقناع الشعب الكريم بأطروحاته؟ ومن حقي أن أسأل: ما هو الثمن الذي يطلبه اتحاد الشغل مقابل هذه المهمة التي كان يقوم بها البوليسية وكتاب التقارير عبر عشرات السنين؟

وقرأت هنا لأحد ممثلي حزب البعث في تونس أنه ينضبط تماما لقرارات القيادة القومية لحزب البعث/ شق العراق ويرى أن أصل أزمتنا في تونس هو مخالفة هذه القرارات وعدم الانضباط الحزبي، ورغم أني لست مع حزب البعث/شق سوريا، فأنا عندي مشكلة منهجية: لا أعرف شيئا عن قرارات هذه "القيادة القومية السرية" في العراق أو العلنية في سوريا ولا يهمني إن كانت تتكون من الأكراد أو السريان أو الإيزيديين ولا عن علاقتها بحقوقي بصفتي مواطنا دافع ضرائب في تونس أو أيا من مشاغلي اليومية المحلية،

ولحسن حظنا، فإن هذه المجموعات التي تشبه الطوائف والمليشيات السرية لا تستطيع أن تملأ مقهى متوسط الحجم وحجمها الانتخابي معروف، لكن صاحبنا كتب لي تعليقا مرة على استغرابي من الحضور الطاغي والدائم للفتوى فيما يهمنا لسياسيين لم ينجحوا في إقناع حتى 0.2 بالمائة من الشعب في انتخابات نزيهة وشفافة، والدليل: جلبت إلينا قيس سعيدا رئيسا بحملة غامضة رأس مالها كابوسان ودبوزة ماء، فاتهمني باحتقار الكفاءات السياسية والجهل وأشياء أخرى أترفع عن ذكرها ولا ينفع معها أي شكل من أشكال الحوار،

وبما أننا وصلنا للحوار، فكل ما ذكرته لكم سلفا، يقع أقل من السقف المرعب لما ذكره السيد الرئيس من: "لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض" مع أي تونسي لا يوافقه فيما يفعله بنا هذه الأيام في مقارنة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني الذي وصفه بنفسه في التلفزة الوطنية بإلقاء مسرحي كلاسيكي: "من يطبع فهي خيانة عظمى (حيث لحرف الطاء دوي قنبلة)، من تكون له علاقة مع الكيان المغتصب فهو خائن وخيانته عظمى"، أوكي عمي الراجل، لماذا صمتت على جريمة اغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبي عاقلة رغم أن بيانا رسميا عنكم ما كان ليؤخذ مأخذ الجد من أي بلد؟ ولما رأيناك تناجي سرا ملك الإمارات وسيد التطبيع والمستثمر الأكبر فيه وفي الانقلاب على الثورات العربية فهل قلت له ذلك؟ هو أصلا، هل أخذ كلامك مأخذ الجد؟

لنعد إلى برّ الأيالة التونسية المنكوبة بكم، المشكل الأصلي بدأ يوم 2 أفريل 1989 عندما اكتشفت اللوبيات المالية والعائلية والجهوية أن الإسلاميين اكتسحوا أول انتخابات يتوفر فيها الحد الأدنى من الحرية، أصبح عندنا حرب معلنة بخسارات فادحة في الحقوق والحريات وضيعنا أكثر من عشرين عاما في توطيد حكم العائلة، بين نخب نرجسية متكلسة فكرا وممارسة، لكنها تحكم وتملك موارد الدولة من المال والرخص والإدارة والثقافة والقوانين والشرطة والحرس والجيش، وشعب، أيا كانت سذاجته، يعطي أغلبية نسبية للإسلاميين، ومن وقتها، ونحن واحلون، لا النخب النرجسية رغبت أصلا في احترام هذا الشعب وتقديم حلول حقيقية له بما يقنعها بانتخابها، ولا الإسلاميين نجحوا في تفكيك لغم غموض الإسلام والحريات والدولة المدنية والإرهاب والفوضى العارمة، منذ أكثر من ثلاثين عاما ونحن نراوح مكاننا: "كيف يمكن أن نكون ديموقراطيين دون أن يفوز الإسلاميون"، مع تفصيل صغير لمثقفي البوليسية وتقارير الوشاية: "هل يمكن حكم هذا البلد بعشرة آلاف قتيل؟ عشرين ألف؟"،

هل أقول لكم شيئا على الثقة؟ حكام هذا البلد لا يقبلون بأية انتخابات تأتي بجماعة الإسلام السياسي وليس لهم مشكل مع ثمن هذا الرفض، ثمة شيء يجب إعادة اختراعه في برّ تونس: التعايش، العيش المشترك تحت سقف القانون، لأن هذه الفوضى السياسية التي نعيشها منذ اثني عشر عاما ليست سوى ترجمة لعدم احترامنا للقانون، وأول المخالفين للقانون هو السيد الرئيس، أنا لا أتحدث هنا عن مشروع تجريم التطبيع الذي وعد به علنا، أتحدث عن احترام القانون في حياتنا اليومية، حيث كل واحد يفعل ما يريد،

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات