الغاز الطبيعي، كيف أضاعت تونس مئات الملايين من الدينارات هذه السنة؟

هذه ستكون آخر تدوينة لي في موضوع يهم تونس ربما لمدة طويلة، أشكر كل من تابعوني على هذا الفضاء لمدة أشهر أو سنوات و كانت تجربة تعرفت فيها على عديد من خيرات هذا الوطن الذي يبقى في الفؤاد حتى بعد هجرة سنوات أو عقود، معرفتك في الناس كنوز و الناس اللي عرفتهم عبر تجربة الكتابة في هذا الفضاء نقلكم شكرا لجعلكم هذه التجربة رائعة و ممتعة و القرار بالتوقف في النقاش في الشأن التونسي كان صعب لكن الله غالب.

كنت نوهت لموضوع الغاز الطبيعي في عدة مرات في 2021 و 2020، هو موضوع إستراتيجي و حساس إلى أبعد الحدود في تونس و في العالم، خاصة في تونس التي تولد حاليا 98% من طاقتها الكهربائية من الغاز الطبيعي. كنت طرحت بعض المشاريع الإستراتيجية و ذات المردودية العالية لتونس في هذا القطاع في التخزين و الغاز المسال.

أسعار الغاز الطبيعي تسجل أرقام قياسية كل يوم تقريبا في أوروبا و في العالم بالنسبة للغاز المسال لأن هذه المادة مهمة جدا جدا و أي خلل حتى صغير بين العرض و الطلب يأثر كثيرا في الأسعار لأن تكلفة black-out للكهرباء عالية. توجه عديد الدول للتخلي تدريجيا على إنتاج الطاقة الكهربائية من الفحم أو النووي جعل الغاز مصدر للطاقة مهم جدا و هذه المعادلة لن تتبدل في المدى القريب و المتوسط لأن أغلب البلدان وعدت بتخفيض إنبعاثات غازات الكربون و الطاقات المتجددة كالشمس و الرياح هي مصادر متذبذبة للطاقة يمكن التعويل عليها فقط بنسبة من 30% إلى 50% كأقصى معدل حاليا إذا لم تتطور تكنلوجيات تخزين الكهرباء بكلفة مقبولة.

سعر الغاز الطبيعي إرتفع عشر مرات هذه السنة مقارنة بسنة 2020 في أوروبا و هو حاليا تقريبا ثلاث مرات أغلى من كلفة توريد تونس للغاز الطبيعي من الجزائر لأن الجزائر تصدر غازها إلى إيطاليا و إسبانيا أساسا وأيضا تونس عبر أنابيب غاز وعقود طويلة المدى لا تفرض كمية قارة في السنة و السعر مربوط بسعر البترول بمعدل على تسعة أشهر تقريبا، زاد تزود إيطاليا من الغاز الطبيعي الجزائري أضعاف هذه السنة لأن سعر الغاز الجزائري الأدنى من بين كل مزودي الغاز الطبيعى فعوضت إيطاليا شراءاتها للغاز المسال بالغاز الجزائري عبر الأنبوب الذي يمر بتونس فتعود لتونس أتاوة ب 5.25% تأخذ غازا تستعمله الشركة التونسية للكهرباء و الغاز مجانا لتوليد الكهرباء و مثلت هذه الأتاوة 18% من إستهلاك تونس للغاز الطبيعي في الستة أشهر الأولى من سنة 2021 و هو إرتفاع ب 200% أي ثلاث أضعاف.

إن كانت لتونس حكومة لكنت اقترحت و قد إقترحت في الأيام الأخيرة أن تصدر تونس الاتاوة التي هي غاز طبيعي يعود لتونس لأوروبا عبر الأنبوب في نقطة العبور القريبة من الهوارية بثلاث أضعاف الكلفة و توريد الغاز الطبيعي من الجزائر في نطاق العقد دون أن تتجاوز الكمية الموردة من الجزائر ما وردته تونس في 2019. في ستة أشهر فقط يمكن أن تربح تونس 500 مليون دينار مداخيل بالعملة الصعبة وهو 0.8% أو أكثر من ما ينتجه كل التونسيون في ستة أشهر و هذه المداخيل يمكن أن تكون أعلى بكثير إذا ما كان الشتاء باردا في أوروبا أو آسيا هذه السنة.

في نفس هذا السياق بحثت على تفاصيل العقد الذي يربط تونس بالشركة التي تشغل الجانب التونسي من الأنبوب، كانت نسبة الأتاوة التي تعود لتونس بين سنة 1991 و 2019 بين 5.25% و 6.75% أي معدل 6%، لم أجد ال formule صراحة رغم بحثي في الرائد الرسمي التونسي حيث وجدت القانون الذي يوثق العقد و يقول أن هناك ملحق فيه تفاصيل العقد و لا يوجد الملحق على الأنترنات. وقع تمديد العقد سنة 2019 حين أصبحت مداخيل تونس 5.25% و لا أعرف لماذا تراجعت نسبة مداخيل تونس في العقد الحالي.

تقليص حصة تونس من 6% إلى 5.25% يعني 30 مليون دولار أقل مداخيل في السنة. قمت ببحث لمقارنة مداخيل تونس ببلدان أخرى يبدو أن المغرب كان نصيبها 7% من الغاز العابر من الجزائر إلى إسبانيا و البرتغال، اما اكرانيا مثلا في أخر عقد لها مع روسيا و الذي كان بعد مفاوضات صعبة في 2019، عائداتها نقدا حددت بنسبة 15% من قيمة الغاز آنذاك. في الحالتين في المغرب و أكرانيا أدت المشاكل السياسية إلى توقف أو تراجع هام في إمداد الغاز عبر الأنابيب و في حال تونس لا يوجد مصدر آخر للغاز في حين أن المغرب استثمر في مصادر أخرى للغاز و ربما يكون ذلك عبرة لمن يعتبر

أخيرا، الخبراء يتوقعون أنه في العشرية 2030 بالكاد ستكون الجزائر بلادا تصدر الغاز الطبيعي لتراجع الاستثمار في الاستكشاف و إستغلال حقول جديدة من ناحية و تزايد الإستهلاك المحلي للغاز و الكهرباء المدعمتين من ناحية أخرى، فهل ستكون تونس جاهزة لهذا السيناريو؟ أو ستكون تونس بعد سنوات بلادا فاشلة؟

شكرا لكل من أخذ الوقت للقرائة.

الصورة المصاحبة توضح تطور سعر الغاز الطبيعي في إيطاليا بالأورو لميغاواط.


…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات