أزمة كورونا هل نعجز أم ننتصر؟

Photo

تمرّ البشريّة بمرحلة جد حرجة لا مثيل لها في تاريخها الحديث لخصوصية وملامح الجائحة التّي تميّزت بخصائص عجيبة وفريدة من نوعها فلقد اشتركت الإنسانية بشتى الوانها وأطيافها ولغاتها بسلوك موحّد مضطرة غير مخيّرة للعزل والحجر الصحي كحل وقائي ضد خطر العدوى من كائن لامرئي فيروس Covid-19 سريع الإنتشار والذي يستهدف الجهاز التنفسي.

ظروف طارئة ضاغطة سلبت النّاس جميعا فرحة الحياة ونسق حياتهم العادي ليمروا للحياة البطيئة الرتيبة الشبيهة بالسبات ليظطر غالبيتهم للإنزواء مكرهين في البيت وتتعطّل تبعا لذلك جلّ الأنشطة وتشلّ الحياة الإجتماعية والحركة الإقتصاديّة ويتوقف التّعليم والتعلّم وزاد الوضع قتامة عدم وضوح رؤية بالنسبة لعودة الحياة إلى نسقها الطبيعي. فلقد غزت النفوس مشاعر سلبيّة مزيج من حيرة وقلق وحزن لتحرمهم هناءهم وبهجة عيشهم وصفاءهم وسلامهم الداخلي.

إنها الأزمة وصعوبة المرحلة وأصالتها وعدم التكيّف مع الظروف المستجدّة. ولكل طاقة تحمّل وصبر ووعي وسعة أفق وتجاوز. ولكن مع الألم والمحنة لا بد من وجود نور وشعاع في نهاية الدهليز فبالأمل وحسن التدبير والعمل والإستفادة من المصاعب وتحويلها الى تحديات وعقبات للتجاوز من حالة اللاتوازن الى التوازن لنعبر وننتقل الى مرحلة أخرى تزدهر فيها الحياة من جديد.

إن من طبيعة الأزمات ان تخلّف آثارها فهكذا دوّن التاريخ في صفحاته ولكن اللبيب والحاذق من يحسن إدارة الأزمة باقتدار ويخرح منها بأخفّ الأضرار وربما يستفيد منها " هي حالان: شدّة ورخاء وسجالان: نعمة وبلاء والفتى الحاذق الأريب إذا ما خانه الدّهر لم يخنه عزاء ". لقد أمكن لدول بحسن تصرّفها وحكمتها وفقهها لواقعها وأحوالها ان تتجاوز أزماتها بنجاح. فهل تتصرّف حكومتنا تصرف الحكيم وتضمن إنطلاقة جديدة وتنسج على منوال الدول التي استفادت من كبواتها وصعوباتها؟

لن يكون ذلك متاح إلا بحسن التصرّف والتدبير وتسيير الأمور وتيسيرها بأقل التكاليف والأضرار مع الإعتماد والإستئناس بخبراء واهل العلم والإختصاص في جميع الميادين الحيويّة تربوية -صحيّة-إجتماعية - إقتصادية -سياسية وذلك لهيكلة ما يجب هيكلته وإصلاح ما يجب إصلاحه وإشراك كل من يستطيع ان يقدّم إضافة في معركة المقاومة والترميم والبناء فالمحاور عديدة والتحديات كبيرة وليس لها إلا سواعد وعزيمة وهمّة الأحرار والحرائر من كل الذين شعارهم " الصدق في القول والإخلاص في العمل ".

كما لا يجب ان تتعطّل الحياة إلى ما لا نهاية فالفيروس مستجّد ولكن دوام الحال من المحال لا بد من برمجة عودة تدريجية منظّمة للحياة النشيطة إلى مواقع العمل والإنتاج لتحريك دواليب الإقتصاد الراكد مع إلزامية القناع الوقائي لكل من يغادر بيته لأن العودة الى الحياة الطبيعية لن تكون سهلة.

لقد كشف الوباء عن عديد العيوب والنقائص والهَنَات والهَنَوَٕاتُ في عديد مجالات وميادين الحياة كالصحة والتعليم والنقل ...... عديد العورات زادت الوضع قتامة من بنية مهترئة في مجال الصحة وهو الخط الأول لمقاومة الجائحة كما إتّضح امام الإضطراب في مجال التعلّم وغلق كل المؤسسات التعليمية استحالة الإستفادة من التكنولوجيا وإعتماد آليات التعلّم عن بعد من خلال منصّات تعلّم رقميّة ودروس إفتراضيّة إننا غير مستعدّين التعامل الفعّال مع هذا التحوّل في نمط التعليم لسوء حالة البنية التحتيّة الرقميّة وضعف خدمة الانترنات .

لا بد من حلول عاجلة واخرى آجلة تطبخ على مهل ولكن الأهم قبل المهم وللعبور الى بر الآمان ونميل إلى التوازن لا بد من بعض الإجراءات العاجلة:

- في مجال التعليم:

العودة تدريجيا للدراسة وفي أقرب الآجال للسنوات النهائية 6 و9 ورابعة ثانوي وبعض الشعب والاقسام في المؤسسات الجامعية لتخفيف الضغط واستحالة العودة الجماعية ولاستكمال البرنامج والتحضير للإمتحانات الوطنية. - في مجال الصحة : دعم جهود الإطار الطبي وشبه الطبي ومعاضدة جهودهم وتضحياتهم وتوفير مستلزمات أداء واجبهم المقدّس والتفكير في إصلاح البنية التحتيّة وسد النقائص والإستثمار في مجال الصحة فلقد بان للعيان أنه مجال حيوي حياتي لا غنى عنه.

- الإقتصاد :

فيه يكمن الداء ولا مناص من توفير الدواء والإستئناس بكل الخبرات من أهل الميدان لتقديم حلول وممكن والظرف سانح اعتماد سياسة حمائية لحماية منتوجاتنا ضد منافسة البضائع المستوردة ومكافحة الإغراق dumping حماية للإقتصاد المحلّي وكفانا إنفتاحا على التجارة الحرّة فنحن لسنا ندّ للدول المصنّعة والمتقدّمة فلكل سرعته ونسقه فلقد أضحينا سوقا لبضائعهم ومستهلكين لاإراديين لمنتوجاتهم.

كما لا بدّ من ضبط النّفقات والتحكّم في الموارد وإلغاء الامتيازات التي لم تحقق أي فائدة للدولة بل أثقلت كاهلها مع التوسّع في الإنفاق في المجالات الحيوية والضروريات الحياتية لضمان مزيد الإنتاج ( إتجاه الإقتصادي الشهير كينز الذي يعتبر ان علاج الركود هو التوسّع في الإنفاق العام والتسيير الكمي ) وذلك تجنبا للكساد والإنهيار.

- في المجال الاجتماعي والسياسي :

التكاتف والتآزر ورص الصفوف لتنشيط الحياة الإجتماعية وتنظيم الحياة السياسية على أساس العمل من اجل المصلحة الوطنية بنكران الذات والانضباط.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات