في الشأن التربوي وفساد أشكال الوعي الإجتماعي …

Photo

التّعليم في السّابق كان يعتمد على الطريقة الإلقائيّة والسلوكيّة ولكن أنجب جيلا كادحا من المتعلمين تذوّق رحيق المعرفة وسهر الليالي لطلب العلى فلم يتواكل ولم يتوانى على تحصيل العلم والارتقاء رغم قلّة الإمكانيات وقساوة الامتحانات الجزائيّة الانتقائية بامتياز بالرغم من إخفاق عدد لا باس به من الممتحنين ولكن كانت الشهائد ذا قيمة ونفعا كبيرا ,ولكن الجيل الحالي رغم تنوّع الطرق البيداغوجية من بيداغوجيا الأهداف وبيداغوجيا الإدماج والبنائيّة الاجتماعية لم يستفد ولم ينتفع ولم تتحقّق الأهداف فزاد التواكل والتقاعس واللامبالاة والتسرّب والفشل المدرسي وأصبح الانحراف والعنف المدرسي من العناوين البارزة لمدرسة اليوم ,ولقد كان المدرّس في السّابق مهابا محترما مكرّما فما حاله الآن؟ من المتسبب في تردي أحوال التعليم وعدم قيام المدرسة بدورها الريادي من بناء المعارف وتعديل السلوك وتخريج الكوادر والكفاءات؟

1-بين الماضي والحاضر :

كان التّعليم إجباريّا مجانيّا وتساوت الحظوظ في مدرسة عموميّة وطنيّة كانت الحاضنة لكل الأهداف والمشاريع الوطنيّة لبناء جيل جديد يتحمّل مسؤولياته الوطنيّة. بالرغم من تطوير وتنويع الطرائق البيداغوجيّة إلاّ أنّ النتائج الواقعيّة لم تكن متطابقة ومستجيبة للأهداف فلقد زاد التعثّر والفشل والإخفاق المدرسي مع تنامي ظاهرة العنف المدرسي كسمة بارزة لحقبة جديدة ومتعلمين جدد.

فمن تحصيل العلم في الماضي إلى تحصيل أنواع الانحراف والمفاسد في الزمن الحاضر. فهل استعملنا الدواء في غير موضعه أم أنّنا عرفنا الدّاء ولم نتناول الدّواء؟ هل طفحت النّظريات وفاضت الأفكار ولكنها لم تترجم إلى تطبيقات فعليّة نفعيّة؟ لقد تدنّى صورة المدرّس في المجتمع والإعلام بوسائله السمعيّة والبصريّة وربما تكون مقصودة لتهميش صورته وإضعاف دوره، فإذا أنتهك عماد التربيّة فكيف يثبت البنيان بكليته؟

فهل انكسر الرابط المثالي بين المدرّس والتلميذ؟ أهي أزمة مجتمع وغياب المثل والمبادئ والمرجعيات الأصيلة وغياب للقيّم السّليمة الضابطة للأخلاق والدّافعة للعمل والانضباط وغمرت شتّى المجالات والميادين فوضى الأخلاق وترسّخت القيم السقيمة وثقافة الاستهلاك فأنتج جيلا دون مناعة روحيّة ودون وقاية فكريّة فهو معرّض للتغريب والاستلاب هل يسعى جيل المناهج البيداغوجية المتعدّدة إلى تحصيل العلم أو إلى تحصيل كل أنواع المفاسد والانحرافات والتشوهات؟

فهل تميّز الجيل السّابق بثقافته ومطالعته وانضباطه ورصانته وعمقه وضاع الجيل الحالي في سطحيته وسذاجته وتنطّعه وتهوّره وغروره ونرجسيته وإتكاليته وقلّة حيائه وثقافته فلقد غابت الرصانة والأصالة عنده وحضرت الميوعة والسخافة والتفاهة والرداءة،هذا طبعا الصفة السائدة للجيل الحالي مع استثناءات بارزة ومشرّفة وواعية بما تقوم وتفعل واتجاهها صحيحا وهي تواصل روح البذل والكدح وترتقي سلّم المعرفة وتحقيق الأماني بالعمل . هل أضحى تعليمنا عقيما وتربيتنا سقيمة هزيلة؟

2-أزمة مجتمع وقيّم :

هل هي أزمة تعليم وتربية ام أزمة مجتمع برمّته تغيّرت مدلولاته وكينونته؟ لقد اجتاحته قيّم وعادات وتحديّات متتالية وفنون وأذواق اخرى واعتملت فيه مناهج خفيّة غيّرت روحه وجوهره وأبقت رسمه وشكله فأقعدته عن الاستجابة وحماية نّسيجه المجتمعي من الاضمحلال وشبابنا من الانحراف.

هل كان التّعليم في السّابق ذا جودة عالية محتويات وطرائقا وأهدافا وتقييما وتكوينا فأصبح في الحاضر نقيض ما كان عليه فاختلفت النتائج مع تعاقب الأجيال. إنّ البيئة العائلية والاجتماعية والثقافيّة والسياسية والاقتصادية ليست رافدا من روافد بناء الإنسان فليست سندا للمدرسة، فأي دور لأشكال الوعي الاجتماعي في تهذيب الذوق العام وتجذ ير القيّم والمبادئ وتأصيل مقاصد التربية والتعليم في نفوس الناشئة؟ لقد اخترقت المدرسة واستهلك دورها وتمّ تخريب ما بقي من رمزيّة ومعالم لقيّم وأسس لبناء وأصبحت على هامش الفعل والتأثير.

هل هو المنهج الخفيّ المحطّم لكل الرموز والمعاني الساميّة الراقيّة والمرجعيات الأصيلة التي تكون منارات وبوصلة لكل جيل كادح؟ فكيف لمن لم يرى مفلح أن يفلح؟ غابت البيئة الحاضنة والراعيّة لبناء الإنسان السوي وحضرت كل الشواغل والد واخل والهوامش المهمّشة لكيان الفرد السّالبة لإرادته المشوّهة لشخصيته.

فإذا همّشت المدرسة العمومية وأنحسر دورها وانكمش أدائها وزرعت بذور اللامساواة واللإنتقائية في التحصيل الدراسي على قاعدة لمن يدفع أكثر وتكاثرت وتناسلت المدارس الخاصة واجتاحت المشهد التربوي وافتقدت البيئة الحاضنة والراعيّة للتربية والتعليم وشوّه الفضاء الاجتماعي والثقافي أذواق الناس فكيف يفلح التلميذ وكل المؤثرات تدفعه للتمرّد والانحراف؟

لا بد من موازنة واعيّة وفقه للواقع بإعادة صياغته والتحكم في سلبياته ومعالجته وتنقيته ليكون رافدا للتعليم لا منهكا وسالبا له،"فإنما الأمم الأخلاق" .

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات