الإعلاميين : ضحايا تُستعمل لملْئ الفراغ والتصحّر الثقافي السّائد

يتساءلُ كثيرُون عن عدم اكتراث بعض التونسيين بالإعلاميين "البارزين" في "الحوارات السياسيّة" الى حدِّ عدمِ احترامهم. وكأنّ هناك عقدًا انتهازيّا قائمًا بين الطرفيْن. بحيثُ يُعبّر هؤلاء عن رضاهم على الإعلاميين كلّما لعبوا دورَ الانحياز وتضخيم الصّغائر وتقزيم أمّهات القضايا لفائدتهم حتى ولو لزم الامرُ النزولَ بمحتوى الحوارات الى مستويات غير معقولة من السطحية وضيق الأفق الفكري وغياب الدليل وقلّة الموضوعية، فضلا عن عدم الحياد.

وينتقدونهُم ويشهّرون بهم ويصفونهم بأبشع الصّفات ويكِيلون لهم شتى الاتهامات كلّما كانوا أقلّ انحيازًا أو أقلّ ترويجًا لآرائهم. وهي علاقةٌ سببيّة من هذا وذاك، يكون ضحيّتَها الطرفان حيث يحاول الإعلاميُّ المحافظةَ على المستوى الذي يرضي المتابعين دون الضمير وذلك بالحديث كلّ يوم في كلّ المواضيع -وهي مهمّةٌ مستحيلة- بدون الاستعداد المعرفي اللازم حتى وان تحدّث هذا عن الاقتصاد بدون دراية وغامرَ الآخرُ في الحديث عن التاريخ بتشويهِه ولم يتورّع ذاك عن الغوص في تحليل أصل الكون وكذلك نظرية النشوء والارتقاء والعلاقة بين العقائد والعلم، فيما يتسطّح وعيُ المتابعين الى أن يُوشكوا أن يُصبحوا عالةً على التونسيين وعلى مستقبل البلاد.

ومن جهتهم، يعمل بعض الاعلاميين عبثًا على الوقوف عند جزئيات الاخبار التي قد تفلت عنهم بفهم الناس لها على الوجه غير المطلوب! فيرجعون الى التصريحات ويقفون عند “كلمة” قد يكون قائلُها غير قاصد ما ذهبوا اليه من تأويلات.... تأويلات يصبُّ جلّها في مرمىً واحد، في العديد من المحطّات الاعلامية !

وإذْ أشدّ على أيادي جيل من التونسيين تعوّدوا منذ الشباب بكبار الاعلام المكتوب مثل جون دانيال (Jean Daniel) والاعلام السّمعي-البصري مثل فرانسواز جيرو (Françoise Giroud) وبرنار بيفو (Bernard Pivot) ولور آدلار (Laure Adler) وليلىَ رُستم وغيرهم، اطّلاعًا وثقافةً واعدادًا واحترامًا لذكاء المتابعين وارتقاءً بالذوق العام، فانّي أعتقد – عدى بعض الإعلاميين الجدّيين والمُحترمين - أنّ عددًا ليس قليلا بمختلف تصنيفاتهم: "ممثّل-منشّط"، "مهرّج-منشّط"، "موظّف-كرونيكار"، "انستاغراموز-كرونيكوز"، "محامي (ة)-إعلامي (ة)-مُصطفّ (ة)"، "متقاعد-وجه اعلامي"... كلّ هؤلاء -مع الأسف الشديد- بعيدون سنوات ضوئيّة على المذكورين أعلاه ولا يبدو أنّهم سيرتقون في المجال المهني، وهم ضحايا تُستعمل لملْئ الفراغ والتصحّر الثقافي السّائد.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات