تحديات الاحياء الشعبية متعددةُ الأبعاد

رُغم أنّ تحديات الاحياء الشعبية متعددةُ الأبعاد، فإني سأقتصر فيما يلي على البُعد الاقتصادي بالملاحظات التالية:

1- الاحياء الشعبية، وهي في شكلِ حزام ديموغرافي حول أهم العواصم الاقتصادية في البلاد، إنّما هي فضاءات اجتماعية تخضع لنواميس اجتماعية محلية تضمن توازنها وإعادةَ توالد منوالها. وهي ظاهرةٌ موجودة في أغلب دول العالم، ووبدرجةٍ مهيمنة في البلدان النامية.

2- نجد هذه الاحزمة الديموغرافية خاصّةً حول العاصمة تونس، وسوسة وصفاقس، وترجع نشأتُها أساسًا الى تدفقات الهجرة الداخلية منذ القرن التاسع عشر حيث وضعت سلطة الباي اليدَ على الأراضي الأكثر خصوبة في منوبة وامتدادها الى الشمال والوسط الغربييْن، وزاد الامر تثبُّتا في حقبة الاستعمار وابان الاستقلال عند توْنسة الإدارة.

وقد ركّزت هذه الظاهرة تحويلات الثروة (المالية والبشرية) من داخل البلاد الى ساحله الشرقي ممّا جعل تركيبة اقتصاد البلاد ثُنائيةً (Dualiste). جهة،وهي تُعتبر "حديثة"، تتطوّر أسرع من الأخرى وعلى حسابها، ولها متوسط دخل أعلى وتستفيد أكثرَ من المعاملات الخارجية وتستقطب الأنشطة الاقتصادية الأكثر تصنيعا. وجهة "تقليدية" تتصف باقتصاد الكفاف، قليلة الانفتاح المباشر على الخارج وتستعمل أدوات انتاج أقلّ رأسمالية من الجهة الحديثة، وهي تخسر من ثرواتها خاصة البشرية جراء الهجرات الداخلية.

3- تعمّقت هذه التركيبة الثنائية، التي هي خاصّة الدول النامية حسب آرذر لويس (جائزة نوبل)، في تونس بـــ :


(1) فشل السياسات التنموية الجهوية المتوازنة ممّا حافظ على نسق الهجرة الداخلية،

(2) عدم وجود استراتيجية تنموية شاملة على غرار التجارب الناجحة في العالم طيلة أكثر من 60 عاما ،

(3) عدم تحديث برامج التنمية العمرانية وقلّة إنجازاتها وتأخّرها عمّا يقع في العالم، و

(4) التقسيم الإداري المتّبع منذ الاستقلال والذي خضع أكثر لاعتبارات سياسية.

4- يكون مصيرُ المهاجرين الداخليين نحو مُدن السّاحل عدمَ القدرة على الرجوع باعتبار عدم رجعية تكلفة الهجرة (coûts irrécupérables) والانتظارَ اللاّمشروط للتوظّف باعتبار غلبة عرض اليد العاملة على طلبها. ولكن في الاثناء تتكوّن مجموعات من القوى العاملة، تذكّرنا بــ " جيش الاحتياطي الصناعي" عند ماركس، يتمّ الالتجاءُ له عند الحاجة والتخلي عنه دون ذلك.

فنشأ بالتالي ما يسمّى بالقطاع "غير المهيكل" وهو :


(1) اقتصاد الكفاف،

(2) فيه قوى عاملة ذات الإنتاجية بين تلك في القطاع الحديث والقطاع التقليدي،

(3) مواصفات اسواقه تُحاكي شروط الأسواق الناجعة من توفر المعلومات والمنافسة وحرية الدخول اليه والخروج منه.

(4) له أكثر مرونة من القطاع المُهيكل باعتبار قدرته على ترويض الصدمات العشوائية حتى تلك المتأتية من الخارج،(عمل علمي منشور)،

(5) لا يخضع الى المنظومة الضريبية، ولكن يستفيد هامشيا من الخدمات العامة،

(6) ليس له وصول الى مؤسّسات التمويل ولا صناديق المعاش. وفي نفس الوقت (7) يساهم الى جانب القطاع العام في خلق مواطن الشغل. فهو ظاهرة اجتماعية مُعقّدة لا يقتصر التعامل معه بدمجه في نتظومة الضرائب ولا بتزويده بدور الشباب!

5- والامر الذي زاد للطين بلّة، هو سياسة الإسكان المتبعة ضمن السياسات العامة التي تدفع نحو تجميع المهاجرين القُدامى وذوي الدخل المنخفض في "مُعسكرات ديموغرافية" ليس لها النصيب الاوفر من البرامج التنموية من خدمات عامة (أمن وصحة وبيئة وتعليم وبنية تحتية وربط مع العواصم الكبرى) وذات علاقة متوترة مع الدولة.

6- في واقع ضعفت فيه الدولة وتأزّمت هذه الاحياء الشعبية اقتصاديا، لا تجد السلطاتُ من حلول عاجلة الاّ الاختفاء وراء "شرعية العنف" على معنى ماكس فيبر، ولا يجد فيه بعض السياسيين الاّ مادّة دسمة لتسويق أي كلام… والحال أنّ نقطة البداية هي :


(1) محاربة الفوارق الجهوية الهيكلية من حيث التنمية متعددة الابعاد بين الساحل الشرقي وعمق البلاد، و

(2) وضع استراتيجيا للتنمية العمرانية في المُدن، هي الاخرى متعددة الابعاد المتداخلة…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات