وما عدى ذلك، سيبقى الفلسُ فلساً والدينار دينارًا.

بقطع النظر عن آليات تركيز المحكمة الدستورية وتأويل الدستور التي جعل منها قيس سعيد قضية دُكترينالية ونظرية مستعصية الفهم المنطقي على الجميع والحال ان متطلباتها الذهنية والمنطقية (اذا كان الامر كذلك) لا تتعدى مدخلا بسيطا في الفيزياء النظرية او الطبولوجيا الجبرية، وبقطع النظر عن الدور العقيم الذي لعبه بعض (وليس الكل بطبيعة الحال) متخصصي القانون الدستوري الذين لبسوا جلباب صاحب مكتب الضبط تارةً والسفسطائي تارةً أخرى، وبقطع النظر عن التراخي الذي لعبته الاغلبيات الحاكمة في البرلمان ولكن كذلك المعارضة الاقلية التي شجبت منذ البداية ما أسمته عبثًا "بدكتاتورية الاغلبية"ً بما كان له تداعيات وخيمة على التسيير وعلى اطلاق يد السلطة التنفيذية،

وبقطع النظر عن التناقضات الفجة الموجودة في الدستور على الاقل في الجانب الاقتصادي-الاجتماعي حيث ان الدولة تبدو اشتراكية وليبرالية في نفس الوقت، وبقطع النظر عن غياب ملامح الدولة التي نريد في الدستور، وبقطع النظر عن غياب آلية مراقبة أداء البرلمانيين، يبدو انّ الحل يكمن في احد المساريْن: القانوني البحت، او السياسي البحت. لكن يبدو ان المتدخلين في الشأن يخلطون بينهما، بحيث تسمع هذا يتحدث بالقانون في البداية ثم ينزلق نحو الجانب السياسي، والعكس بالعكس. وهذا خطأ منهجي ينمّ عن التكوين الهش و/او عن سوء النية بهدف الاستثمار في الازمة.

فاذا كان المسار قانونيا بحتا، فما أضرّ لو تُعهد المسألة الى أفضل المتخصصين في القانون الدستوري ليجدوا منفذا قانونيا ثم يتحمّل السياسيون تنزيله في الواقع، على غرار محافظ بنك انڤلترا عندما يستشهد بالأستاذ الفولاني من جامعة كذا عندما يُساءل في البرلمان الذي يقبل بإجابته احتراما واجلالا للعلماء.

وكما اتصفت عصور الانحطاط بغلق باب الاجتهاد، فان التقيّد الحرفي بالنص الدستوري يحيلنا الى تلك العصور، والحال ان عمر اجتهد في النص القرآني في عام الازمة ولم يطبق الحدود على السارقين، كما اجتهد احد اصحاب المذاهب بطريقة مختلفة عند انتقاله من العراق الى الشام....

واما اذا كان الحل سياسيا، وهو الاصوب حسب اعتقادي، فان الحوار يكون حول حزمة تتضمّن :

(1) التحوير الوزاري والوزراء المشتبه بهم بالفساد،

(2) ترسيخ الاليات التنسيقية بين الرئاسة والحكومة، فيما يتعلق بالأمن وبالخارجية،

(3) التسريع بإصلاح القانون الانتخابي،

(4) العمل على اعداد مشروع تعديل الدستور بهدف سد ثغراته وعرضه على الاستفتاء و

(5) التزام الحكومة بإعداد خطة عمل تخرج البلاد من الازمة الاقتصادية والاجتماعية الحالية الخانقة.

وما عدى ذلك، سيبقى الفلسُ فلساً والدينار دينارًا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات