لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى

Photo

لم أعلق على العملية التي جدت صبيحة يوم 2020/09/06 بالقنطاوي ولكن فظاعة ما قرأت وما سمعت اضطرني للخروج عن صمتي ولعل الكارثة أن تتماهى تعاليق المواطن البسيط مع تعاليق ما يسمى بالنخبة.

فلم تمر ساعة على حصول العملية حتى تم توصيفها واصدار حكم بات في شأنها (اعدام من لم يتم القضاء عليهم) بل والأدهى من ذلك أن يتم تنزيل صورة شخص على أنه العنصر الرابع ضمن منفذي العملية ليتبين بعد ذلك أن الشخص المذكور تم ايقافه فعلا وهو مار قريبا من مكان العملية وتم تعذيبه في أحد مراكز البوليس ليطلق سراحه بعد ساعات لما اتضح أنه كان مارا بالصدفة وعائدا من مقر عمله بأحد مطاعم المنطقة.

وقد تكلم هذا المواطن بكل حرقة في احدى الوسائل الاعلامية ليكشف حجم التعذيب الذي تعرض له في مركز البوليس وكذلك لما طاله من مساس بسمعته وكرامته من خلال تداول صورته في هذا الفضاء الافتراضي.

نعم هو مواطن بسيط وفقير ولكن له كرامة وسمعة وليتكم تعون ذلك يا (نخبة البلد) وقد صدر الحكم باتا بإعدام الرجل بل وذهب أحد الاعلاميين الأشاوس الى مطالبة رئيس الجمهورية بالإمضاء على أحكام الاعدام التي لا تنفذ.

هذه الحادثة كسابقاتها (بقطع النظر عن التوصيف ان كانت ارهابية أم لا) تؤكد بأن ما يتشدق به الكثيرون من محاكمة عادلة واحترام حقوق الانسان ومناهضة التعذيب ليس الا مجرد شعارات رنانة لم تستبطنها (نخبتنا) فما بالك بالمواطن البسيط.

والغريب أن يتماهى موقف (نخبتنا) مع موقف البوليس الذي لن يتردد عن الضغط مرة أخرى لتمرير ما يسمى بقانون زجر الاعتداء على البوليس.

هل أن التعاطي الانفعالي والمتشنج سيقضي على الارهاب وكل أشكال العنف المتنامي في المجتمع؟ وهل أن حكم الاعدام (وتنفيذه) من شأنه أن يحد من هذه الآفات؟ قطعا لا.

وتبقى معالجة الأسباب العميقة لافة الارهاب التي لم يسلم منها أي بلد ولكل مظاهر العنف (قتل- اغتصاب- براكاجات.....) بعد فهمها ودراستها بعيدا عن ردود الأفعال المتشنجة ومحاولات التوظيف السبيل الوحيدة ليس للقضاء عليها بل على الأقل للحد منها.

وأعتقد أن االتعاطي الانفعالي والمتشنج لكل مظاهر العنف (ارهاب وجرائم حق عام) يخفي قدرا كبيرا من الأنانية بمعنى أن تفكير الكثيرين منصب على راحتهم وأمنهم أكثر من معالجة حقيقية للظاهرة من أجل وطن امن للجميع.

ثم لا تنسوا أن الدولة قائمة على العنف والارهاب من خلال حماية الفاسدين بكل أصنافهم وغض النظر عن تفشي المخدرات وعن تنامي ظاهرة قوارب الموت.

ألا تمارس الدولة العنف والارهاب عندما تلتفت عن تردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي والصحي؟ ألا تمارس الدولة العنف والارهاب عندما تجرف الأمطار في كل موسم عددا من المواطنين بسبب بنية تحتية مهترئة وعندما تتوفى كل مرة عاملات فلاحيات بسبب ظروف نقل غير امنة؟

وأخيرا وليس اخرا ألا تمارس الدولة العنف عندما تواصل تجريم الحراك الاجتماعي من أجل مطالب مشروعة؟ فلنبتعد قليلا عن عقلية القطيع والتعاطي مع الأحداث بتشنج وانفعالية فما هكذا تبنى الأوطان وما هكذا نؤسس لغد أفضل للأجيال القادمة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات