خطة لمواجهة الانقلاب : الأسس

يجب الانتهاء من أسلوب الهواة في مواجهة انقلاب قيس وداعميه، لان العشوائية التي تطبع لا محالة ذلك الأسلوب كما يحصل الآن، لا يمكنها إحداث أثر فعال ولا يمكنها بالتالي إسقاط الانقلاب.

ويمكنني القول بترجيح شبه يقيني أنه لو بقينا نتعارك مع قيس بالطريقة التي تقع الآن، فإن حكمه سيتواصل ما شاء له أن يبقى، وانظروا إن شئتم كيف تمادى نظام بن علي طيلة أزيد من عقدين حيث اعتمدت نفس الأساليب التي تعتمد الآن في مواجهة قيس، وستواصل الجموع الصادقة المبدئية التحرك كل مرة من دون طائل إلا التذكير العبثي أن ما وقع انقلاب وتفريغ طاقاتها لكي تقنع أنفسها أنها قامت بفعل مواجهة، وستواصل منظومة قيس إرهاق تلك الجموع كل مرة وتفتيتها باعتقالات وسجن، إلى أن تتلاشى جهود المنتفضين وتتطبع مع الواقع وفي الأثناء سيلتحق الكثير بمنظومة الانقلاب وسيتناقص من يواجهه ثم سيفرد من بقي منهم إفراد البعير الأجرب.

يجب أن نؤسس نظريا لفعل التصدي للانقلاب، وهو ما أحاول أن أقوم به في هذه الورقة.

فعل التصدي للانقلاب كجزء من مسار التحرر من فرنسا

يجب تأصيل فعل التصدي للانقلاب كنقطة من مسار أشمل يقول بالتالي :

- تونس ما زالت تخضع لفرنسا وعملية الاستقلال عنها المعلنة منذ 1956 لم تكن كاملة حتى في جانبها الشكلي وما وقع على أية حال من هذا الاستقلال أثبت انه غير كاف للتخلص من تأثيرات فرنسا.

- فرنسا كانت عامل إعاقة لنمونا وتطورنا على كل المستويات، ويجب التخلص من هذا الوضع غير السوي.

- فرنسا دعمت كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم تونس منذ خروج جنودها، ثم فرنسا أفسدت ثورتنا بتدخلاتها، فعلينا اعتبار فرنسا طرفا غير مرغوب فيه.

- بقاء فرنسا كقوة فاعلة في الشأن الداخلي لتونس، سيجعل إسقاط الانقلاب تحت رحمة فرنسا إما من خلال تعطيلها ذلك الفعل أو في صورة نجاحه بوضعها في الرئاسة احد المقربين منها أو المتفاهمين معها، وعليه يجب إنهاء هذا الوضع غير السوي مرة واحدة.

- لما كنا غير مكتملي الاستقلال من فرنسا، ولما كان الانقلاب يلقى دعم فرنسا والتصدي له يرجح أن يلقى تعطيلا فرنسيا، فان التصدي للانقلاب يستوجب التصدي لفرنسا.

- جعل عملية التصدي للانقلاب كجزء من مرحلة متواصلة وهي التحرر من فرنسا التي لم تكتمل بعد، وعليه يجب اعتبار فرنسا عدوا (1) يحتلنا علينا التحرر منه ويمثل خطرا يستهدفنا في كل مراحل وجودنا.

- جعل التصدي لقيس جزء من عملية اكبر وهي التحرر من فرنسا، سيكسب مسار إسقاط الانقلاب زخما اكبر ومزيدا من الأنصار محليا ودوليا.

- إعادة مسألة التحرر من فرنسا للوجود لا يجب أن يفهم انه أمر غريب، فالكثير من دول العالم ما زالت لحد قريب تقارع المحتل أو القوى الأجنبية كالعراق و أفغانستان وتركستان والصحراء الغربية وفلسطين، ثم إن الانخراط في عملية تحرير وطني لا يعني بالضرورة حمل السلاح وإنما فرصة لإعادة البناء بطريقة حرة من دون تأثير القوة المحتلة أي فرنسا، علينا إذن إعادة بناء دولتنا من دون أي تأثير فرنسي بعد أن نزيل ونفكك التأثيرات التي بنيت طيلة عقود وخاصة التأثيرات والروابط اللامادية (2).

- إطلاق معركة تحرير وطني لا يتنافى ووجود حكم محلي ودولة، فتونس كانت دولة وتحكمها سلطة الباي فترة الاحتلال الفرنسي ومصر إبان الاحتلال البريطاني كانت دولة ويحكمها ملك، وتونس الآن دولة يحكمها منقلب وتخضع للتحكم الفرنسي منذ أكثر من قرن و إن تغير شكلا خلال العقود الأخيرة، لذلك يجب إطلاق عملية تحرر وطني معاصرة يكون من مكوناتها المرحلية إسقاط الحكم المحلي أي الانقلاب.

- لبلوغ هذا الهدف علي قوى التحرر الوطني رفع شعارات إسقاط الانقلاب جنبا لجنب مع تحرير الصحراء التونسية بالعمل على جعلها متاحة للتونسيين وتخليصها من المنع الفرنسي والتفكير في اقتحام تلك المناطق كعمل مقاوم لفرنسا والانقلاب.

- جعل التصدي لفعل الانقلاب لصيقا للتصدي للمصالح الفرنسية بتونس، باعتبارها مصالح عدوة يجب العمل على إعاقتها بالاعتصامات المتكررة ومنع تشغيلها كالسفارة الفرنسية والقنصلية والمراكز الثقافية الفرنسية و ما شابهها.

- إعادة تفعيل معركة التحرير الوطني من فرنسا يجب أن ينشأ معه واقع جديد وهو عدم الاعتراف بالعديد من الاتفاقيات التي أبرمها بقايا فرنسا وعلى رأسهم بورقيبة التي تعارض مصالح تونس من ذلك أنه يجب إعادة المطالبة بالأراضي التونسية التاريخية التي أخذتها الجزائر والنظر كذلك في الأراضي التونسية التاريخية التي أعطت لليبيا.

- المطالبة بهذه الأراضي لا يعني شن حرب أو وجوب إرجاعها الآن، وإنما تأكيد حقنا في تلك الأراضي وجعلها شوكة في خاصرة تلك الدول حتى مجيء أجيال غيرنا في ظروف غير ظروفنا لتسترجعها.

المستوى القانوني في فعل التصدي لفرنسا والانقلاب

- في معركة التحرر الوطني التي اقترحها يجب أن يتراجع قليلا جماعة القانون المهمومين بالدندنة كل مرة بقال القانون ولم يقل القانون، لأن القانون أساسا ما هو إلا أداة لضبط المجموعات البشرية وضمان عدم خروجها عن سلطة المتحكمين، ثم تأتي بعدها متفرعة عنها ولاحقة أغراض أخرى منها خدمة الناس وضمان حقوقهم.

- أي أن الخضوع للقانون في أصله التزام بصوابية الواقع وأسسه التي بني عليها، بالمقابل من يريد تغيير الواقع فانه لا يجب أن يفكر من زاوية القوانين التي صممت لحماية ما ينظر هو في تغييره.

- ما أقوله أثبته على أية حال قيس سعيد حينما قام بانقلاب فخرق القانون، فخروجه لم يتم إلا من خلال خرق القانون ولو التزم بالقانون لما استطاع الانقلاب.

- ثم إنكم تقولون أن الانقلاب فعل غير شرعي قانونا، وإن صح هذا فوزراء الانقلاب وتعييناته غير قانونية، ولا يفهم والحال هذه بأي حق تستجدون الإذن في تحركاتكم المتصدية للانقلاب من سلطة غير شرعية، وان كان ذلك غير صحيح فالانقلاب شرعي عكس ما تقولون يا جماعة القانون.

-أختم بالقول أن القانون انعكاس وبصمة لحكم القوي الغالب وليس كما يروج مطلقات قيمية و إن زعم وصلا بها، لا أريد أن أزيد في هذه النقطة لان ما أقولة واضح مما لا داعي لشرحه.

المستوى العملي في فعل التصدي لفرنسا والانقلاب

- يجب أن يقع تشكيل هيكل سموه ما شئتم جبهة أو تنظيم أو غير ذلك، يكون الإطار الذي تتم من خلاله عملية إعلان وقيادة عمليات مواصلة التحرر من فرنسا وبالتوازي ومتفرع عن ذلك نقطة إسقاط الانقلاب.

- هذا الهيكل يجب أن يكون مستقلا عن الأحزاب والمنظمات المتواجدة في تونس، وان كان يمكن لأفرادها الانخراط فيه، لأن تلك التنظيمات والأحزاب متناقضة مع أهداف الهيكل الجديد فهي على عكسه تقر بصوابية الواقع المتكون منذ عقود ولم تر فيه مشكلة في أساسه وقبلت بالتبعية و الربط اللامادي مع فرنسا.

- يجب فصل المستوى العملي الميداني بهذا الهيكل حيث قيادة التحركات عن المستوى الإعلامي والتنظيري والسياسي، فالذين يقودون التحركات الميدانية يجب أن يكونوا شخصيات مقدامة مستعدة للمواجهات لا تحمل ارث انكسار نفسي أي لم تسجن ولم تشرد وتطارد بالخارج ولم تشوه باتصالات مع سفارات ولم تنشط في مراكز ممولة أجنبيا ولم يعرف عنها الانحرافات الأخلاقية (سكر، زنا) بحيث يصعب تجنيدها وإسقاطها من طرف أجهزة البلدان العدوة.

- قيادة التحركات الميدانية المتصدية لفرنسا والانقلاب يجب أن تكون مستقلة عن أي حزب أو سفارة لأنها في ذلك تتحرر من أي التزامات حزبية و منظماتية والارتباطات التي تعقدها عموم تلك الأطراف من طرف خفي مع السلطة والسفارات مما أعاق مسار الثورة وسيعيق أي فعل لإسقاط الانقلاب، وحينما يحصل ذلك سترون الإبداع في التحركات.

- يجب رفع سقف التحركات ضد فرنسا والانقلاب عاليا، من ذلك يمكن المناداة بالتالي :

1- تحذير كل مسؤول تونسي يعمل في حكومة الانقلاب من المتابعة القانونية وذلك سيمثل ضغطا على كل من تسول له نفسه العمل في سلطة الانقلاب.

2-تحذير ضباط الجيش والأمن التونسي من المتابعة القانونية داخليا وخارجيا بفعل تعاملهم مع حكومة انقلاب رغم معرفتهم بعلاقاتها مع مخابرات جهات أجنبية (مصرية).

3-وجوب العمل على خروج تونس من منظمة الفرانكفونية.

4- مطالبة فرنسا بتعويضات مادية عن فترة احتلالها تونس وقتلها الآلاف من التونسيين.

5- المطالبة بإلغاء تدريس البرامج الفرنسية في المدارس الخاصة التونسية.

6- إغلاق المراكز الثقافية الفرنسية بتونس.

للعلم فان رفع المطالب لا يعني بالضرورة أنها ستتحقق حاليا وإنما وجودها يمثل عامل إحراج وضغط ورفعا للسقف.

- يمنع عن أي كان ممن له ارتباطات مع سفارات أجنبية العمل كقيادي بهذا الهيكل الجديد، كما يجب منع أي حامل جنسية أجنبية مجرد الانخراط بهذا الهيكل المقاوم لفرنسا والانقلاب.

- يجب أن تكون مواقف الهيكل المتصدي لفرنسا والانقلاب مبدئية، وأول ذلك رفض الاستقواء بالأجنبي ضد ابن وطنك، فلا يعقل أن نسكت عن المرزوقي مثلا وهو يدعو جهات رسمية أمريكية للتدخل في تونس ضد الانقلاب ولا عن بعض رموز النهضة ممن لهم جنسيات أمريكية وهم يحرضون جهات أمريكية على أطراف تونسية منقلبة، عملنا يجب أن يكون مبدئيا والانقلاب يجب أن نتصدى له نحن وان عجزنا عن ذلك فنحن لا نستحق أفضل من الانقلاب.

- يجب كذلك رفض فكرة تعويض التبعية لفرنسا بتبعية لأمريكا، هذا مقترح خطير يجب أن نرفضه، نحن لا نرفض محتوى التبعية فقط لكي يقال هذا الكلام ويعملون على إقناعنا أن أمريكا ستفيدنا اكثر مما يمكن أن تفعله فرنسا بزعم أن أمريكا أكثر تقدما، نحن نرفض التبعية كفكرة، لذلك يحب أن نرفض أي مقترح يروج للتبعية لأمريكا (3) مثلما نرفض التبعية لفرنسا، ويجب على دعاة التبعية هؤلاء سواء لفرنسا أو أمريكا أن يعرفوا أنه يمكنهم العيش أحرارا من دون أن يكونوا تابعين لأي كان.


هوامش

(1) ينظر لمقال : أيهما أخطر على تونس: فرنسا أم "إسرائيل" وضحت فيه كيف أن فرنسا دولة عدوة بالنسبة لتونس.

(2) لفهم الارتباطات اللامادية بفرنسا وخطرها على تونس، ينظر لسبعة عشر (17) مقال وضحت فيها ذلك، بموقعي : بوابتي والزراع.

(3) يروج لفكرة التبعية لأمريكا تعويضا عن التبعية لفرنسا العميد الهشام المدب وكذلك بعض أنصار الثورة كالأسعد البوعزيزي وبعض صفحات التواصل الاجتماعي المقربة من النهضة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
عمار
21/12/2021 20:24
النهضة وقيس سعيد وجهان لعملة واحدة ، وهما يستظلان بالنظام النيابي سواء اكان برلماني او رئاسي ومقاومة فسادهما لا يتمّ منطقيا إلاّ عبر هيكلية جديدة كما تفضلت حضرتك تتمثل في النسج على منوال تجربة واحات جمنة التي فرضت نفسها وخاصّة في الجانب التنظيمي ( إنتخابات ، ومؤتمرات شعبية ...) ، تجربة يُمكن تعميمها لقيادة النضالات وترسيخ سلطة بديلة عن النظام القائم ولمزيد التفاصيل يُمكن الإطلاع على الرابط التالي : https://www.facebook.com/choura.jamahiria.5/videos/899414734038277