إستبعاد اللغة الفرنسية شرط تفكيك الروابط اللامادية مع فرنسا

لأسباب تاريخية، كانت تونس ضمن مجال نفوذ فرنسا، ولأسباب أخرى تخصنا لم تصاحب ما سمي استقلالا عن فرنسا ككيان إحتلال، عمليات فك الإرتباط اللامادي بأبعادها الذهنية و اللغوية والثقافية والفكرية، وأساسا لم يقع تصوير فرنسا كمحتل في أدوات تشكيل الاذهان الموجهة للتونسيين : تعليم، ثقافة، إعلام.

تاريخيا لم يقع التنبه للبعد اللامادي لارتباطاتنا مع فرنسا ووقع الإقتصار على الجوانب المادية من تواجد فرنسي ببلادنا، وإتفاقيات تتعلق بالثروات.

من غير المفهوم أنه لحد اليوم زمن ما بعد الثورة، لا تكاد تجد أي طرف تونسي سواء شخصيات فكرية أو حزبية بما فيها الأحزاب ذات الخلفية المدافعة عن الهوية (النهضة، ائتلاف الكرامة )، يثير خطر الإرتباطات اللامادية مع فرنسا ووجوب تفكيكها، وإنما يتناولون فقط الإرتباطات المادية من إقتصاد وإتفاقيات.

تبعا لذلك علقت تونس في مجال التأثير الفرنسي وتواصلت عمليات استهدافها لنا، وتمثل اللغة الفرنسية أهم أداة لدى فرنسا لصياغة وضبط عمليات نفوذها علينا.

اللغة الفرنسية أكثر من مجرد لغة، هي أداة إلحاق وجداني بفرنسا

اللغة في أهم أبعادها أداة للتواصل البشري، ولكنها في مسار نشأتها و مجالات إستعمالاتها، تنتج أبعادا أخرى غير التواصل البحت.

تتعدد أبعاد اللغة حسب إنتشارها الأفقي نسبة لمجالات الإستعمال أي كم مجالات الحياة التي تؤثثها اللغة، ثم ما يمكن أن أسميه إنتشارا عموديا أي عمق حضور اللغة في الإستعمال في مجال ما، أي كثافة الإستعمال في ذلك المجال نسبة لكم الكلام الكلي، إذ يمكن أن تكون اللغة مجرد أداة رسمية، بينما يمكن أن تستعمل حتى في أبسط الحاجيات العادية اليومية.

إذن اللغة يمكن تناولها من خلال هذين العاملين، وهما عامل الانتشار الافقي وعمق الإستعمال في مجال ما.

بالنسبة للغة الفرنسة بتونس، فإنه وقع إخضاع كل المجالات لها : تعليم، ثقافة، إقتصاد، علم، طب,,,، ثم إن فاعليتها في أي من تلك المجالات أشد من فاعلية اللغة العربية أي في جانب كثافة الاستعمال والاستناد اليها (الاقتصاد والطب والتقنيات كلها مجالات فعالة في حياتنا وكلها وقع إخضاعها للفرنسية تحديدا)، فالفرنسية إذن غزت تقريبا كل أبعاد حياتنا، باستثناء ربما البعد العقدي.

اللغة كيان غير محايد، لأنك باستعمالك اللغة الفرنسة تتبنى آليا جانبا من تجربة وثقافة وفكر وعادات من أنتج اللغة الفرنسية وضمنها في ثنايا الألفاظ، لأن اللفظ الفرنسي في دلالاته أوجد إبتداء للتعبير عن تلك التجارب، ولم يأت للتعبير عن تجاربك أنت المتعلقة بمجالك الخاص بك في تونس.

وحينما تغزو الفرنسية مجالات حياتنا ونقبل على إستعمالها، فنحن نفتح أبواب أذهاننا لتلقي تلك التأثيرات من دون دفاعات.

ثم إن اللغة كيان وجداني، أي أنه تنشأ علاقة حميمية بينك واللغة خاصة حينما تستعملها في كل شؤونك، فتنمو صلة قربى مع اللغة الفرنسية، وضمنيا تصبح أبعاد ما وراء اللغة المتعلقة بها قريبة ذهنيا منك، أي تصبح فرنسا بلد اللغة الفرنسية قريبة وجدانيا منك، لأنك تسقط حبك للغة الفرنسة على حبك لفرنسا كبلد، وتنتهي تلك الحميمية مع اللغة لحب لحضارة فرنسا، ويستحيل في هذه الحالة الذهنية التابعة، مجرد تصور او إستيعاب فكرة كون فرنسا بلد عدو رغم ما فعلته وتفعله بك وببلدك.

فاللغة الفرنسة بهذا المعنى أداة إلحاق وجداني وذهني بفرنسا، وهي من وراء ذلك وسيلة لإنتاج توجهات إقتصادية لدى التونسي تفضل المنتوج الفرنسي عن غيره لو وقع تخييرك نسبة لبلدان أخرى.

واللغة كيان إيديولوجي، فهي من حيث تطورها والمجالات التي أستعملت فيها يمكن أن تصبح لغة مميزة بخلفية فكرية وقرينا لصراعات عقدية، ويقع ذلك حينما تكون اللغة الفرنسة لصيقة بمجهودات فرنسا لمحاربة الاسلام وعمليات استبعاد اللغة العربية، إذ حيثما ضربت لغتنا العربية وأستبعدت، وجدت اللغة الفرنسية ضرتها، وفرنسا أشد من يحارب الإسلام، تقوم بذلك من خلال لغتها الفرنسية، فتمضي حربها توازيا مع نشر لغتها، أي أنها مثلا لا تحارب الإسلام من خلال إستعمال اللغة العربية أو الانقليزية مثلا، وهذا يقع فقط مع فرنسا الفرنسية.

أي أن اللغة الفرنسية تحديدا عكس اللغات الأخرى، تمثل أداة إيدلوجية تنشط باتجاه فكرة القول بمركزية فرنسا كقطب حضاري بلغتها وثقافتها.

إستبعاد اللغة الفرنسية من الاستعمال بتونس، أول شروط تفكيك الروابط اللامادية مع فرنسا

علينا إعادة النظر في متطلبات تحررنا من فرنسا، ويتم ذلك بإدراج شرط أول ترتيبا، وهو تفكيك الروابط اللامادية مع فرنسا، قبل المرور للروابط (ما وجد) و الارتباطات (ماهو بصدد الوقوع) المادية من إتفاقيات وغيرها.

بغرض الفهم، نبحث مسألة اللغة الفرنسية بطريقة موضوعية من خلال تجريدها من كل أبعادها باستثناء البعد التواصلي البحت، أي إعتبار أنها لغة تواصل وعلم مفترضة، بالمقابل لما ننظر لهذا البعد فسنجده غير ذي جدوى، لأن اللغة الفرنسية ليست لغة العلم ولا التقنيات، فيجب إذن إستبعادها من الإستعمال تدريجيا ومنع تعليمها من كل مستويات التدريس، وتركها مجرد لغة ثانوية لأهل الإختصاص.

بعد ذلك، يجب علينا تفكيك ما هو موجود وقائم من أداوات ربط لامادي تم إنشاؤها من قبل، لأن هذه التشبيكات اللامادية التي تواصلت لعقود، أنشأت واقعا معقدا، من نماذجه أن تونسيين هم من يدافع عن فرنسا ولغتها وثقافتها وإقتصادها، وهذا كما وضحنا بحكم أنهم ضحايا عمليات التشكيل الذهني الذي أمتد لعقود.

واجبنا إذن إستنقاذ التونسيين مما وقعوا فيه من توجيه قسري وإلحاق بفرنسا، ويتم ذلك من خلال هدم أي عامل ينتج ربطا لاماديا مع هذه الدولة العدوة.

هذا المجهود التحرري، يجب أن يكون موضوع مجهودات ودراسات متصلة ومحينة، لكن يمكن أن نشير لبعض الموجهات في هذا الباب.

القطاع الاقتصادي الفرنسي المتواجد بتونس، يلعب أدوارا ثقافية وإيديولوجية إضافة للدور الإقتصادي، من ذلك مثلا، أن المغازات الفرنسية العاملة بتونس تصر على مخاطبة التونسيين سواء عملة أو حرفاء باللغة الفرنسية على الملإ في إصرار على إهانتنا في عقر دارنا، فهناك توجه منهجي للترويج للغة الفرنسية من خلال الكيانات الإقتصادية، رغم أني شخصيا مثلا رفضت ذلك وطرحت اسئلة على القائمين على بعض تلك المغازات، وكان المسؤولون في كل مرة يقولون أن الأمر يتجاوزهم، فهو دور مشبوه، تلعبه أيضا شركة إتصالات فرنسية عاملة بتونس، حيث ترفض إستعمال اللغة العربية في منشوراتها الترويجية والإدارية والرسمية، وتصر على مخاطبتنا بالفرنسية أو في أحسن الحالات بلهجة تونسية ركيكة مما يصب في ضرب اللغة العربية واستبعادها، في إحتقار كبير لتونس وللتونسيين، فهذه مؤسسات إقتصادية فرنسية إذن تقوم بأدوار الترويج للغة الفرنسية وهو أمر يفترض أنه يخرج عن نطاق أدوارها الاقتصادية المعلنة.

يمكن التذكير أيضا ببعض الشركات الفرنسية العاملة بتونس والتي ترفض تشغيل لابسات الحجاب الإسلامي، فنحن إزاء دور ايديولوجي تقوم به هذه الكيانات الإقتصادية في تناغم مع السياسة والأدوار الفرنسية المحاربة للإسلام.

بالتوازي مع كل ذلك للأسف، وبتواطؤ مع بقايا فرنسا التونسيين ممن يعشش في مختلف مؤسسات الدولة التونسية، سمح بتواجد عشرات المدارس الخاصة التونسية التي تفرض تدريس برامج فرنسية موجهة للتونسيين، وهي تصر على تدريسها وفرضها على أبنائنا منذ سنوات الدراسة الاولى، مما ينتهي باقتلاع ذهني لهؤلاء ويصيرهم منبتين تبعا لفرنسا وحملة للوائها لغة وثقافة واقتصادا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات