التحدّي التعليمي المنهاجي زمن الكورونا

Photo

المنهاج يسمى في تونس البرنامج. وهذا غلط. لأن البرنامج هو الخطة العملية لتطبيق المنهاج. ولكن لنتجاوز هذه المسألة الاصطلاحية، ولنركّز على التحدي التعليمي من زاوية الكفايات والمضامين والتقييمات الماقبلية(التشخيصية) والتكوينية والجزائية الجزئية والإدماجية، في سياق الزمن المدرسي والفضاء المدرسي المتاحين، زمن الكورونا.

أي في كلمتين التحدي المنهاجي زمن الكورونا. الهدف هو الوقاية من العدوى بالكوڥيد 19، المشكل الأكبر كيفية ضمان التباعد الجسدي في فضاءات مدرسية لا تحقق هذا الغرض؟ الحل الذي توصلت إليه نقابات التعليم مع وزارة التربية لمشكل ضيق المكان هو تضييق الزمان. أي قسمة الزمن المدرسي إلى نصفين. وقسمة كل قسم دراسي إلى فوجين. وتمتيع كل فوج بنصف الزمن الدراسي.

من هذا الذي يبدو حلا لمشكل التباعد الجسدي في فضاءات تضيق بالتلاميذ، ينتج مشكل تعليمي، وهو الآتي: كيف يمكننا "تدريس" كل "البرنامج" في نصف الزمن المدرسي المخصص للبرنامج (بعد العدول عن فكرة التخلي عن تدريس مواد اعتُبرت غير أساسية، بسبب الضغط الذي شاركنا في ممارسته على أصحاب القرار)؟ الحل الرياضي هو طبعا التخفيف من كمّ محتويات الدروس.

ولكن كيف نضمن مع التخفيف من محتويات الدروس (إلى النصف) أن نمكّن المتعلمين من اكتساب كل الكفايات المقررة في البرامج(المناهج)؟ يجب مع نهاية السنة الدراسية أن يكون المتعلم مكتسبا لجملة من الكفايات المعرفية والماورامعرفية والمنهجية تمكّنه من مواصلة التعلم باقتدار وسلاسة في السنة الدراسية الموالية. ولا ننس كذلك أن لدى التلاميذ كفايات "متخلدات بالذمّة" من السنة الدراسية الماضية، لم يكتسبها، بحكم الانقطاع الفجئي والطويل (نصف سنة) عن الدراسة.

أي كيف سيقع "تسديد دين السنة الماضية" وعدم الوقوع في "تداين منهاجي" جديد للسنة الدراسية الحالية، يحمّل على حساب السنة القادمة. إذا أردنا عملا مِهَنِيا مركزا ودقيقا بعيدا عن الارتجال و"البعلوية"، فها هو ما يجب القيام به: تكوّن وزارة التربية لجانا فنية في كل المجالات والمواد الدراسية الخاصة بكل المستويات التعليمية. أي لجان في اللغات والرياضيات والعلوم والمواد الاجتماعية والإعلامية…الخ، ابتداء من السنة الأولى أساسي إلى السنة الرابعة ثانوي.

تضم هذه اللجان متفقدين عامين ومتفقدين أُول وأساتذة مبرزين وأساتذة أول، ومعلمين متمرسين (عندما يتعلق الأمر بالتعليم الابتدائي) ومختصين جامعيين في تعليميات المواد، بهدف القيام بنقول تعليمية des transpositions didactiques، مستخدمين نظارات و"مشارط" و"مقصات" و"لواصق" أو "روابط إدماجية" مشحونة بروح الكفايات، غير ملتفتة للمضامين إلا بقدر خدمتها للكفايات المراد اكتسابها، بحيث تلعب المضامين دور السياقات التعليمية- التعلمية الإجرائية (وضعيات مشكل ومسارات حلول ومجالات تطبيقية) لذلك الاكتساب.

كما تكون المضامين مختارة وفق معيار "الجزئيات والحالات الخاصة المعمِّمَة"des particularités généralisantes أي تصلح أمثلة دالة على المفهوم الذي يراد بناؤه بما هو التعبير الأعم عن كل الحالات الخاصة المندرجة ضمنه. مثلما أوصى بذلك الكندي جاك تارديف Jacques Tardif في كتابه عن التعليم الاستراتيجي. تكون مخرجات عمل اللجان الفنية كتيبات موجّهة لعمل المدرسين. يتلقى متفقدو الدوائر والمواد تكوينا عليها، ينقلونه بدورهم لمنظوريهم في الجهات. هذا العمل (كان الدنيا، دنيا) من المفروض أنه جاهز مع نهاية العطلة المدرسية.

ولكن هذه هي حالنا نحن العرب الذين ما زلنا نتلمس طريق العقلنة والاستشراف والتخطيط…على كل…لنبدإ الآن فورا في هذا العمل…انطلاقا من إعداد دليل تدارك ما فات اكتسابه من كفايات السنة الدراسية الماضية لكل المواد وفي كل المستويات. إنه تحدّ لا يمكن النجاح فيه إلا إذا خضناه بكل تجرد وانضباط وبروح معركة وطنية مصيرية…

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات