في الدلالات المشبوهة لصورة جائزة نوبل للسلام 2015

Photo

تفسير رئيسة جائزة نوبل للسلام (2015) لما ترمز إليه صورة الطفل العالم ثالثي المعصوب العينين والملطخ بمادة قد تكون قذرة، ليس مقنعا تماما، أي أنه قابل للنقاش، وحيث إنه قابل للنقاش، فهو لا يصلح لتحقيق الإجماع العالمي.

أنا أفهم من هذه الصورة، صورة إفريقيا والعالم الثالث في عيون الغرب، الغرب الرأسمالي الاستعماري. إننا في عيونهم جهلة وغارقون في الظلام، لا نبصر، وملطخون بقذورات التخلف، أطفال، غير راشدين، ولا عقول ناضجة لدينا، ولا حكمة.

وفي المقابل هم ينظرون إلى أنفسهم في منتهى التحضر والمدنية والحكمة والطهارة والنضج والحكمة. وأنهم أساتذتنا ومعلمونا وأوصياء علينا، ليأخذوا بأيدينا من الظلمات إلى النور ومن الوسخ إلى الطهارة ومن قلة الخبرة والفهم إلى الحكمة والرشد.

ويتناسون ويتجاهلون أن جانبا كبيرا من مصائب إفريقيا والعالم الثالث قد تسبب فيها استعمارهم لهذه القارة ولهذا العالم وسرقة ثرواته، بما حقق لديهم فائض القيمة المادي التاريخي، الذي أنجزوا به الثورة الصناعية ومدوا به السكك الحديدية على طول عشرات الآلاف ومئات الآلاف من الكيلومترات، لنقل ثروات الشعوب المنهوبة، وتصدير فائض سلعهم إليها.

مائتا ألف إفريقي قتلوهم من أجل اصطياد عشرين ألف أحياء منهم لنقلهم إلى القارة الأمريكية في الأقفاص كالحيوانات. إنهم يتناسون ويتجاهلون حكمة الشرق، وفنون فارس وعلوم الصين وثقافات إفريقيا ووحي العالم السامي ورسالاته السماوية الهادية للبشرية المخرجة إياها من طور التوحش والبربرية إلى طور التمدن والشرائع والحضارة.

إنهم يتنكرون أخيرا للثورة التونسية، ثورة شباب 17 ديسمبر، التي تسائل في العمق نموذجهم المتخلف للديمقراطية، الديمقراطية التمثيلية، المسندة برأس المال المتوحش، ويستبعدون تطبيق الديمقراطيات التشاركية والمحلية، الجامعة بين الرهانين السياسي والاجتماعي التنموي معا. إنهم يتناسون قيمة الكرامة ورفض الحقرة، التي هي قيمة مضافة للثورة التونسية، إلى قيمة الحرية بمعناها الشامل: حريتي أنا وحرية الآخر في الآن نفسه، لا حرية الأوروبي والمركزية الأوروبية فحسب.

إنهم أساتذة مزيفون، ومعلمون غشاشون. وإنه بإمكاننا أن نتعلم بأنفسنا، بالطريقة التي تلائمنا وتناسبنا، منهم ومن غيرهم، سلبا وإيجابا، ولتذهب وصايتهم على عقولنا وضمائرنا وكياناتنا ووجودنا إلى الجحيم، ولنلق بالقلادة المزخرفة حول عنقنا، ولنذرّر حبات عبوديتها لنا، ألوهية نموذجهم لنا، في كل اتجاهات التلاشي والعدم. إننا نتخلق بأنفسنا، ونكابد، وندفع ثمن الحرية الحقة والكرامة، وسننعتق في النهاية، ونحمل تاج السيادة على رؤوسنا ولا قلادة الوصاية في أعناقنا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات