تضارب المصالح والفساد في وزارة الشؤون الثقافية، بين تصريحات النواب واستحقاق المحاسبة القانونية

تشهد وزارة الشؤون الثقافية التونسية موجة من الاتهامات الخطيرة بالتضارب في المصالح وملفات الفساد المالي والإداري، وذلك إثر تصريحات مدوية أدلى بها نواب وشخصيات نقابية وثقافية مؤخرا، أبرزهم النائب أحمد بنور والكاتب العام للنقابة الأساسية لأعوان الوزارة الناصر بن عمارة، في حين تتصاعد الدعوات للتحقيق والمحاسبة من داخل البرلمان والوسط الثقافي.

تصريحات تكشف المستور

في مداخلة له على برنامج "بوليتيكا" مع الصحفي زهير الجيس، كشف النائب أحمد بنور عن تفاوت فادح بين تقارير مالية رسمية تخص مهرجان قرطاج، حيث أظهرت نسخة تمكّن منها كنائب أرقاما تختلف جذريا عن تلك التي تحصّل عليها مواطن عادي من الوزارة. البنود المتعلقة بالنفقات الأمنية، وأزياء الأعوان، وتعاقدات الفنانين حملت تفاوتا بمبالغ تناهز عشرات الآلاف من الدنانير. كما أشار إلى أن المسؤول عن مكتب الضبط بالوزارة يشغل في الوقت نفسه منصب مدير البروتوكول ، ما يعدّ تضاربا مباشرا في المصالح ويطرح إشكالية إقصاء الكفاءات من المناصب القيادية.

الناصر بن عمارة من جهته، اتهم الوزيرة السابقة بترهيب النقابيين عبر فبركة ملفات قضائية زائفة، وإحالتهم على مجالس تأديب وحتى السجن، مؤكدا أن ملفات فساد حقيقية تم إيداعها لدى النيابة العمومية دون أن تلقى أي تحرك قضائي جدي إلى حد الساعة.

تمثيل تونس في إكسبو أوساكا: شبهة أخرى على الطاولة

منصة " الزراع" كانت قد تطرّقت سابقا إلى ملف المشاركة الفنية لتونس يوم 13 أوت في معرض "إكسبو أوساكا 2025"، مشيرة إلى شبهات فساد تتعلق بكيفية اختيار الفرقة التي تمثل تونس. التحقيق كشف أن وزيرة الثقافة أمينة الصرارفي هي من اتخذت القرار بشكل أحادي ودون المرور عبر لجنة تقييم مستقلة أو طلب عروض، ما يثير شكوكا حول الدوافع الذاتية لهذا التعيين وانعدام الشفافية في تمثيل تونس دوليا.

التحليل القانوني: أين تقف المنظومة من هذه التجاوزات؟

وفقا للفصل 96 من المجلة الجزائية التونسية، يُعاقب بالسجن كل موظف عمومي يستغل وظيفته لتحقيق منفعة غير قانونية لنفسه أو لغيره. ما ورد من شهادات ومؤشرات يوحي بإمكانية تكييف بعض هذه التصرفات ضمن هذا الفصل، خاصة في ظل غياب آليات تقييم موضوعية أو رقابة فعالة داخل الوزارة.

كما أن غياب دعوة عامة لاختيار الممثل الثقافي لمعرض دولي، وممارسة السلطة بشكل انتقائي، يُعدّ مخالفة محتملة للفصل 2 من الأمر عدد 3158 لسنة 2010 المنظم للصفقات العمومية، الذي يكرّس مبدأي الشفافية والمساواة في الإجراءات الإدارية.

ازدواجية المهام بين البرلمان والوزارة تثير إشكالية إضافية، حيث يتعارض ذلك مع روح الفصل بين السلطات ومعايير الحوكمة الرشيدة، وهي ممارسات قد تستوجب فتح تحقيق ابتدائي من قبل النيابة العمومية حتى دون إثبات النية الإجرامية، حسب فقه قضاء محكمة التعقيب.

دعوات للتحقيق والمحاسبة

في ضوء هذه التطورات، وجّه عدد من النواب والمثقفين دعوات ملحة للنيابة العمومية لفتح تحقيقات جادة في شبهات الفساد والتضارب في المصالح داخل الوزارة، معتبرين أن الصمت القضائي بات نوعا من التواطؤ غير المباشر، وأن المحاسبة هي خطوة ضرورية لاستعادة ثقة المواطنين في المؤسسات الثقافية.

الملف تجاوز الأطر الإعلامية والنقابية، وتحول إلى قضية رأي عام تستدعي الحسم القانوني. فهل تتحرك النيابة العمومية لتفكك شبكة المصالح داخل وزارة الثقافة؟ وهل تخرج الثقافة من عباءة الاستغلال نحو فضاء الشفافية والعدالة؟ الأسئلة معلقة، والإجابات رهينة إرادة المحاسبة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات