الإسلام في قلب المناظرة بين ماكرون ولوبان

ينص الفصل الأول من الدستور الفرنسي على أن فرنسا جمهورية علمانية تكفل مساواة جميع المواطنين أمام القانون دون تمييز يقوم على الأصل أو العرق أو الدين وتحترم الجمهورية جميع المعتقدات كما يفصل القانون المؤرخ في 8 ديسمبر 2005 بين الدولة والكنيسة بما يجعل الديني والسياسي مستقليّن الواحد عن الآخر.

لكن خطاب الكراهية الذي تردده الوجوه السياسية في اقصى اليمين الفرنسي دفعت بعض القائمين على الشأن الديني من المسلمين والمسيحيين إلى التحرّك. ولئن كانت الدوافع مختلفة بينهم إلا أنهم يتفقون على وصف خطاب اقصى اليمين بأنه خطاب كراهية خصوصا تجاه المهاجرين ولاسيما منهم العرب والأفارقة والمسلمون ولأنّه خطاب لوبان خطاب كراهية فهو خروج عن تعاليم المسيحية التي تدعو إلى محبّة الآخرين.

فقد ذكرت جريدة «لوموند» الرقمية في عددها الصادر يوم 18 أفريل 2022 أن الأب «كريستيان دلمور» كاهن أبرشية مدينة «ليون» لاحظ أن المسيحية تحولّت عند قسم من اليمين المتطرّف إلى أيدولوجية الكراهية ولاحظ بعض القائمين على الشعائر الإسلامية من جهتهم أن مسلمي فرنسا لا ينتخبون ودعوهم إلى التوجه إلى مكاتب الاقتراع.

فقد كان مجلس مساجد منطقة الرون التابعة لولاية ليون حثّ يوم 10 أفريل 2022 مسلمي فرنسا على الإقبال على مكاتب الاقتراع في الدور الأوّل ثم وجه لهم يوم 17 أفريل 2022 الدعوة إلى التوجه إلى مكاتب الاقتراع لغاية التصدي لمرشحة أقصى اليمين. إذ يرمي برنامجها حسب رأيهم إلى حرمان مسلمي فرنسا من حقوقهم ودعا إلى التصويت لفائدة إمّانويل ماكرون ليس تبنيا لبرنامجه وإنما تصديا لمارين لوبان.

أما جريدة لوموند الرقمية فقد انتقدت في افتتاحيتها ليوم امس 20 أفريل 2022 تحفظ الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا فهي لم تعبر عن رأيها بوضوح خلافا لمواقفها الصريحة في قضايا أخرى و اقتصرت على دعوة اتباعها الى الاقبال في الدور الثاني على الانتخابات في ضوء تعاليم الكنيسة وهي بذلك وضعت على قدم المساواة ماكرون و مارين ولم تحدد وجهة نظرها من برنامج أقصى اليمين المتعارض مع مبادئ النظام الجمهوري و لاحظت الجريدة ان القائمين على الشعائر الدينية لدى المسلمين و اليهود والمسيحيين البروتستانت نبّهوا إلى خطورة أفكار أقصى اليمين.

و لاحظت الجريدة ان قرابة 20 جمعية مسيحية تعمل في المجال الاجتماعي و التعاون الدولي كانت اكثر وضوحا و صراحة من الأساقفة و عبّرت عن رغبتها في العيش في مجتمع الحقوق الجوهرية بما فيها حقوق الأجانب و دعت إلى الإقبال على مكاتب الاقتراع و إلى تجنب الأسوأ والابتعاد عن الورقة البيضاء وطلبت الجريدة من الكنيسة التعبير عن موقفها بكل وضوح في لحظة حاسمة يشكك فيها بعض المتطرفين في قيم المساواة و التسامح التي يتأسس عليها المجتمع الفرنسي.

الحجاب والعلمانية في قلب المناظرة بين المترشحين

وبرزت مسالة العلمانية بشكل لافت في المناظرة التلفزية بين المترشحين التي دارت يوم أمس الأربعاء 20 أفريل من خلال مسالة حظر الحجاب في الأماكن العامة. هنا أيضا وقف المتنافسان في السباق الرئاسي على طرفي نقيض ولكن بشكل هادئ على عكس المنتظر وتدعو لوبان هنا إلى حظر الحجاب في الأماكن العامة بدعوى أن الحجاب لا صله له بالدين وإنما هو تعبيرة أيديولوجية للإسلام السياسي المتشدد مؤكدة أن النساء المسلمات يجبرن على ارتدائه وانه يجب تحريرهم من سيطرة المتطرفين كما أشارت إلى أنها لا تشن حربا على الديانة الإسلامية غير أنه يوجد 570 مسجدا خارجا عن القانون في نظرها، يجب غلقها كما دعت دون تردد إلى طرد كل المتطرفين والى إلغاء الحق في الحصول على الجنسية الفرنسية عند الولادة أما في ما يخص موضوع الهجرة، فاقترحت إجراء استفتاء حول هذا الملف مع إقرار «طرد» المجرمين والمنحرفين الأجانب « حسب نظرها والتخلي عن حق الأرض ووضع حد لتسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين وإصلاح نظام شينغن».

وهي بذلك كشفت في الموضوع المفضل لديها عن وجهها الحقيقي إذ بدا للكثيرين في المدة الأخيرة التي سبقت المناظرة أن حظر الحجاب في الأماكن العامة الذي تطالب به لم يعد، على رأس أولوياتها في خطابها ضد ما تصفه بـ «التشدد الإسلامي»، إذ قالت السبت الماضي إن الحجاب «مشكلة معقّدة»، مؤكدة أنها ليست «محدودة التفكير» وأن مشروع الحظر المثير للجدل هذا سيطرح للنقاش في الجمعية الوطنية.

أما ماكرون فيرى أن الحجاب هو لباس ديني وان فرنسا العلمانية لا تعادي الدين وأنه من أكثر الرؤساء الذين حاربوا التطرف الإسلامي من خلال اعتماد الجمعية الوطنية الفرنسية قانون 23 جويلية 2021 المتعلق بـ”احترام مبادئ الجمهورية” وترتب عليه إغلاق العشرات من دور العبادة الإسلامية، بجانب إنشاء خلايا وزارية لمحاربة الإسلام السياسي. وحذر ماكرون من الخلط بين الدين والإسلام السياسي والإرهاب واتهم لوبان بأنها تنتقل من موضوع إلى آخر دون أي رابط منطقي وان هذا الخلط هو الذي يجعلها لا تميز بين الحجاب كعلامة دينية ونشاطات الجماعات الإسلامية المتشددة وحذر من أن دعوتها إلى حظر الحجاب في الأماكن عامة هي دعوة إلى التطاحن والحرب الأهلية.

مع العلم انه يعيش في فرنسا ما بين خمسة وستة ملايين مسلم، وفق إحصاءات متعدّدة، وهو ما يجعل من الإسلام ثاني الديانات الكبرى في البلد ومن مسلمي فرنسا الأكبر عددا في أوروبا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات