على هامش وثيقة " "ميدل إيست آي " : الفصل 80 من الدستور وعشاق البيان رقم 1

نشر موقع «ميدل ايست آي » البريطاني وثيقة وصفت بأنها « سرية للغاية » قال انها مسرّبة من مكتب مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة -يعود تاريخها إلى 13 مايو/أيار 2021- تتحدث عن تدبير خطة لـ «دكتاتورية دستورية » في تونس.

...

و تتمثل الخطة في دعوة خصوم الرئيس السياسيين إلى القصر الرئاسي والإعلان عن الخطة بوجودهم مع عدم السماح لهم بالمغادرة وفي الوقت ذاته يتم إلقاء القبض على عدد من كبار السياسيين الآخرين ورجال الأعمال.

…

بعد ذلك يعلن الرئيس قيس سعيد للحاضرين الذين من بينهم رئيس الوزراء هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي أنه سيفعّل الفصل 80 من الدستور الذي يسمح للرئيس بالاستيلاء على السلطات في حالة طوارئ وطنية بحسب ما ورد في الوثيقة.

وتنص الوثيقة على أنه لن يُسمح للمشيشي والغنوشي بمغادرة القصر الذي سيتم إدخاله في حالة عزلة كاملة عن الخارج وفي تلك الأثناء سيوجه الرئيس خطابا تلفزيونيا إلى الأمة للإعلان عن انقلابه.

وردا على ما جاء في هذه الوثيقة اجتمع رئيس الجمهورية قيس سعيّد بعد ظهر الأربعاء 26 ماي 2021 في قصر قرطاج برئيس الحكومة هشام المشيشي وذلك بحضور وزير الدفاع الوطني إبراهيم البلتاجي. وفي تعليقه على الوثيقة المسربة التي تحدثت عن « نية » انقلاب يقوده رئيس الجمهورية قال سعيد إنّ هذا الموضوع « مخجل جدا » بعد سنوات طويلة في العمل القانوني والإدارة يتحدثون عن انقلاب دستوري نحن في ظل الفصل 80 لأننا في حالة طوارئ …مستئهزئا من الإدعاءات بنية الرئاسة القيام بانقلاب دستوري.

وأضاف « الانقلاب لا يكون على الدستور، بل يكون على الشرعية » معتبرا أنّ ذلك يعدّ تناقضا في حدّ ذاته. وأشار الى أنّه ليس من دعاة الانقلاب أو دعاة الخروج عن الشرعية، بل إنّه يؤمن بالتكامل بين مؤسسات الدولة وفق تعبيره مقرّا في الآن ذات بوجود تصورات مختلفة أمّا الدولة فهي واحدة مهما اختلفت التصورات وفق قوله.

وشدّد سعيّد على ضرورة التنسيق بين مؤسسات الدولة التي لها « رئيس جمهورية ورئيس حكومة ورئيس برلمان » ويتعهّد ضمن أطرها كل واحد منهم باختصاصه في إطار التشاور واعتبر الاختلاف أمرا بديهيا. وقال سعيد أيضا انه لا مبرر من الخوف من الفصل 80 إذ أننا الى حد اليوم واقعون تحت طائلته.

1)) حالة الطوارئ على معنى الامر عدد 50 لسنة 1978 لا تدخل في التدابير الاستثنائية المشمولة بالفصل 80.

لئن اصدر رئيس الجمهورية قيس سعيد الأمر الرئاسي عدد 58 لسنة 2020 المؤرخ في 8 جوان 2020 المؤسس على الفصل 80 ( انظر الأمر أسفله ) ينهي به العمل بالأمرين الرئاسيين المتعلقين بمنع الجولان وتنظيم التجمعات على معنى التدابير الاستثنائية فانه اصدر يوم 24 نوفمبر 2020 الامر الرئاسي عدد 134 لسنة 2020 يعلن فيه حالة الطوارئ في كامل تراب الجمهورية بداية من 26 نوفمبر 2020 الى غاية 25 ديسمبر 2020 ثم بالأمر عدد 164 لسنة 2020 المؤرخ في 23 ديسمبر 2020 مدّد في حالة الطوارئ لمدّة ستة اشهر بداية من 26 ديسمبر 2020 الى غاية 23 جوان 2021.

لم يتأسس هذا الامران المعلنان لحالة الطوارئ على الفصل 80 من الدستور و انما تأسس على الفصل 77 منه الذي يحيل الى الفصل 80 و على الامر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ الذي ينصّ في فصله على ان حالة الطوارئ تعلن لمدة اقصاها ثلاثون يوما بأمر يضبط المنطقة او المناطق الترابية التي يجري العمل به في داخلها وينص فصله الثالث على انه لا يمكن التمديد في حالة الطوارئ إلاّ بأمر آخر يضبط مدّته النهائية.

ان الاختلاف جوهري بين التدابير الاستثنائية وبين حالة الطوارئ سواء من حيث اتخاذ القرار المعلن لها او انهاء العمل بها لذا فانه من الخطأ القول بأنّنا نعيش حاليا في ظل الفصل 80 من الدستور بحجة ان حالة الطوارئ مازالت سارية الى يوم 23 جوان 2021 فالتدابير الاستثنائية نص عليها الدستور في الفصل 80 و هي توجب للعمل بها و لإنهاء سريانها تدخل السلط الدستورية الثلاثة فقبل الاعلان عنها للشعب في بيان يستشير رئيس الجمهورية في شانها كلا من رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب و يعلم رئيس المحكمة الدستورية و امّا استمرار سريانها او انهاء العمل بها فلا يكون إلاّ بقرار من المحكمة الدستورية التي تتعهّد بالموضوع بطلب اما من رئيس مجلس نواب الشعب او من ثلاثين نائبا لكن حالة الطوارئ ينظمها الامر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 و المؤسس على الفصل 46 من دستور 1959 وهي لا تتطلب تدخل السلطة القضائية و لا توجب لاتخاذها و الاعلان عنها سوى استشارة كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب فقد استشارهما رئيس الجمهورية قيس سعيد عندما اصدر الامر عدد 134 لسنة 2020 و الامر عدد 164 لسنة 2020 السالفي الذكر و انهاؤها يكون إمّا بالأمر الذي اعلن عنها محدّدا مدّتها بثلاثين يوما أو بالأمر الذي يمدّدها و يضبط مدّتها النهائية فهي من عمل رئيس الجمهورية.

ولذلك فانه لا مجال للخلط بين التدابير الاستثنائية المشمولة بالفصل 80 وبين حالة الطوارئ المستندة على الامر عدد 50 لسنة 1978 وعلى الفصل 46 من دستور 1959 وذلك لان العمل بهذا مستقل تماما عن العمل بذاك فلئن خرجت البلاد من التدابير الاستثنائية المستندة على الفصل 80 غير انها لم تخرج الى حد اليوم من حالة الطوارئ.

2) )التدابير الاستثنائية هي حصيلة عمل مشترك بين السلط الدستورية الثلاث

لقد اثبتت التجربة ان رئيس الجمهورية قيس سعيد في مواجهة جائحة كورونا لم يتبنّ الرأي القائل بالاستيلاء على السلطتين التشريعية و الترتيبية ولم يرحّلهما الى قصر قرطاج فحين فعّل الفصل 80 من الدستور أصدر الأمر الرئاسي عدد 24 لسنة 2020 المؤرّخ في 18 مارس 2020 المتعلّق بمنع الجولان بكامل تراب الجمهورية بعد ان استشار كلاّ من رئيس الحكومة و رئيس مجلس نواب الشعب.

وحفظا للحقّ في الصّحة المنصوص عليه بالفصل 38 من الدستور تمّ بهذا الأمر التضييق وقتيا على بعض الحرّيات والحقوق لأنّ ممارستها تمثّل خطرا على الصّحة و تكون وسيلة لانتقال العدوى و من بينها حرّية المواطن في التنقل داخل الوطن وحقّه في مغادرته ( الفقرة 2 من الفصل 24 من الدستور).

اقتضى الفصل الأوّل من هذا الأمر منع جولان الأشخاص والعربات بكامل تراب الجمهورية من الساعة السادسة مساء إلى الساعة السادسة صباحا ابتداء من 18 مارس 2020 إلى أن يصدر ما يخالف ذلك واستثنى الحالات الصحية العاجلة وأصحاب العمل الليلي و اسند رئيس الجمهورية في الفصل الثاني الى وزير الدفاع الوطني ووزير الداخلية تنفيذ هذا الأمر الرئاسي.

وصدر الأمر الرئاسي عدد 28 لسنة 2020 المؤرخ في 22 مارس 2020 يحجّر جولان الأشخاص و العربات خارج اوقات منع الجولان إلا لقضاء الحاجات الأساسية و لأسباب صحيّة مستعجلة و منع كلّ تجمّع يفوق ثلاثة أشخاص بالطّريق العامة وبالساحات العامة و تأسس هذا الامر على الفصل 80 من الدستور و على الامر الرئاسي عدد 24 لسنة 2020 السالف الذكر و استشار رئيس الجمهورية في شأنه كلاّ من رئيس مجلس نواب الشعب و رئيس الحكومة.

و اعتمادا على هذين الأمرين الرئاسيين اصدر رئيس الحكومة الامر الحكومي عدد 156 لسنة 2020 المؤرخ في 22 مارس 2020 يضبط الحاجيات الأساسية و مقتضيات ضمان سير المرافق الحيوية في اطار تطبيق اجراءات الحجر الصحي الشامل.

وفي الجلسة العامة المنعقدة يوم 4 أفريل 2020 صادق مجلس نواب الشعب على مشروع قانون فوّض فيه عملا بأحكام الفقرة 2 من الفصل 70 من الدستور الى رئيس الحكومة اصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كروس كورونا و صدر في الغرض القانون عدد 19 لسنة 2020 المؤرخ في 12 أفريل 2020 بمعنى ان السلطة التشريعية لم ترحّل الى قصر قرطاج، بل ظلّ البرلمان يمارسها و فوّض الى رئيس الحكومة جزءا منها في اربعة ميادين ذكرت حصرا.

و عملا بالأمر الرئاسي عدد 58 لسنة 2020 المؤرخ في 8 جوان 2020 انهى قيس سعيد رئيس الجمهورية العمل بالتدابير الاستثنائية بإنهائه العمل بالأمر الرئاسي عدد 24 لسنة 2020 و بالأمر الرئاسي عدد 28 لسنة 2020 المتعلّقين بمنع الجولان وتنظيم التجمّعات و تأسّس على الفصل 80 من الدستور و استشار الرئيس في شأنه رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب.

لكن انهاء العمل بالتدابير الاستثنائية لم يكن طبق صريح احكام الفصل 80 من الدستور فإنهاؤها ليس من صلاحيات رئيس الجمهورية و انما من صلاحية مؤسسة دستورية مغيّبة الى الآن وهي المحكمة الدستورية التي بعد ثلاثين يوما من سريان تلك التدابير او في كل وقت بعد ذلك يمكن ان يعهد لها البت في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمها و تصرّح بقرارها علانية في اجل اقصاه خمسة عشر يوما و تعهيدها من اختصاص السلطة التشريعية دون غيرها ممثّلة امّا في رئيس مجلس نواب الشعب او في ثلاثين نائبا.

يتضح مما سلف بيانه ان التدابير الاستثنائية سواء عند اتخاذها و الاعلام بها او عند انهاء العمل بها هي حصيلة عمل مشترك بين السلط الثلاثة فالتنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية وفي رئيس الحكومة و التشريعية ممثلة في رئيس مجلس نواب الشعب و في ثلاثين نائبا و القضائية ممثلة في المحكمة الدستورية فلا يمكن تفعيل الفصل 80 بحل البرلمان و دون استشارة كل من رئيس مجلس نواب الشعب و رئيس الحكومة وان تغييبهما او تغييب احدهما يعني خرق احكام هذا الفصل الذي يكون تفعيله الاسلم بوجود المحكمة الدستورية.

نستخلص ان هذا الفصل ليس انقلابيا مادام يحدث توازنا بين السلط الدستورية الثلاث و يمنع مبدئيا أيّ انقلاب فهو يوجب تدخل هذه السلط في موضوع التدابير الاستثنائية و يحتفظ لكل واحدة منها بصلاحيته وهو لا يكون انقلابيا إلاّ في ذهن من يريد الانفراد بالسلطة و التخلص من كل فكر معارض وفي ذهن من يدعو الى الانقلاب على الشرعية و في ذهن من يبرّر الانقلاب.

3)) الفصل 80 بريء من أية نزعة انقلابية

يبدو انّ الذّين يخشون هذا الفصل ويربطون بينه وبين أية نزعة انقلابية يجهلون مضمونه أو يتجاهلونه ولا ندري اذا كانوا على علم بظروف استعماله وبجنيالوجيته فالفصل صريح في أنّه لا يجيز لرئيس الجمهورية اي عمل انقلابي على مؤسسات الدولة ومنها البرلمان فلا يمكنه حلّ مجلس نوّاب الشعب الذي يواصل عمله سواء في مراقبة عمل الحكومة او في وظيفته التشريعية سواء في اللجان البرلمانية او في الجلسة العامة ولا يكتفي الفصل 80 بعدم منح رئيس الجمهورية سلطة حل البرلمان بل يعتبر البرلمان في الحالة الموصوفة في الفصل 80 « في حالة انعقاد دائم» وليس لهذا الانعقاد من معنى في نظرنا سوى حماية الدولة من اي سوء فالمجلس يباشر مهامه التي من بينها خاصة وعملا بأحكام نفس هذا الفصل متابعة تنفيذ التدابير الاستثنائية و مراقبتها حتى يتسنى لرئيس المجلس او لثلاثين من اعضائه ان يطلبوا بعد مرور ثلاثين يوما على سريان تلك التدابير الاستثنائية من المحكمة الدستورية البتّ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه والكل يعلم انه الى حدّ الآن لم يقع ارساء المحكمة رغم احداثها بالقانون عدد 50 لسنة 2015 المؤرّخ في 3 ديسمبر 2015.

لقد حرص النواب المؤسسون بعد الثورة على « ان يكون مجلس نواب الشعب سلطة تشريعية بحقّ » و أكّدوا على ضرورة « حمايته وهو المجلس المنتخب من الشعب من مخاطر الوقوع تحت سلطة جهة أخرى بيدها وحدها قرار حلّه و لم يسمح بذلك إلاّ في حالة وحيدة مرتبطة بعجزه عن منح ثقة لحكومة جديدة »وفق ما ورد في الصفحة 27 من التقرير العام حول مشروع الدستور.

وخلال مدة الحجر الصحي وتفعيل الفصل 80 ظلت القصبة في مكانها ولم ترحل إلى قصر قرطاج وأصدر رئيس الحكومة اوامر ترتيبية نذكر منها الأمر الحكومي عدد 156 لسنة 2020 المؤرخ في 22 مارس 2020 المؤسس على الفصل 94 من الدستور الذي ينص على ان رئيس الحكومة يمارس السلطة الترتيبية العامة و يتعلق الأمر الحكومي عدد 156 لسنة 2020 بضبط الحاجيات الاساسية و مقتضيات ضمن سير المرافق الحيوية في اطار تطبيق اجراءات الحجر الصحي الشامل و الامر الحكومي عدد 208 لسنة 2020 المؤرخ في 2 ماي 2020 المتعلق بضبط اجراءات الحجر الصحي.

4)) جو ملوث ومناخ انقلابي

اخيرا هل هي صدفة أن مضمون وثيقة « ميدل إيست آي » لا يكاد يختلف عمّا كان امين محفوظ استاذ القانون الدستوري صرّح به في برنامج بثته قناة فضائية خاصة ؟ قال استاذ القانون ان العمل بالفصل 80 يرحّل الى قصر قرطاج سلطة رئيس الحكومة الترتيبية و يرحّل السلطة التشريعية الى القصر ايضا وقال ان مضمون هذا الفصل هو «الدكتاتورية الدستورية » وقد افاد موقع «حقائق أون لاين» يوم 21 أفريل 2021 ان امين محفوظ دوّن في صفحته ما يلي:

«الحكمة أفضل من التهور: هل يدرك من يريد الدخول في معارك خاسرة مع رئيس الدولة أن هذا الأخير لم يستعمل بعد السلاح الدستوري الأخطر على الإطلاق ؟ »

نحن لن تغامر بنسبة الوثيقة الانقلابية الى هذا او ذاك فهو أمر موكول الى السلطة القضائية التي فتحت تحقيقا في الغرض ولكننا لن نكون بعيدين عن الحقيقة إذا قلنا ان الوثيقة تنقل جوا من الانفلات الدستوري الذي تغذيه مواقف رئيس الجمهورية وينفخ في ناره سياسيون ( ما كتبه محمد عبو خير شاهد على ذلك ) ورجال قانون وتنتقل لوثته وعدواه الى كثير من السذج من عامة الناس ممن تستهويهم لغة البيان رقم 1 في مناخ ملوث تحكمه أزمة خطيرة بين مؤسسات الدولة وهي أزمة منذرة بكل المخاطر في تجربة ديمقراطية هشة مهددة في كل حين بان تعرف نفس المصير الذي عرفته في بلدان عربية أخرى… ويا خيبة المسعى.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات