المخيم الفلسطيني…

"الصراع في حي الشيخ جراح ليس سوى صورة للصراع بين الفلسطيني صاحب الحق المطلق بفلسطين،من جهة والصهيوني العنصري الغريب المحتل المعتدي على الحق،من جهة أخرى. "

يخرج الفلسطيني عام 1948 من وطنه لاجئاً إلى بلدان الجوار التي صارت ذات حدود تشير إلى صورة الدولة، فيسكن الخيمة المؤقتة أملاً بالعودة، ومكان الخيم هو المخيم. والخيمة بيت البدوي الذي لا يستقر على حال، يحملها معه أينما رحل.

يطول انتظار الفلسطيني للوقت الذي يُقرع فيه جرس العودة، فتحمله شروط الحياة على الانتقال من الخيمة التي تعبث فيها الأرياح إلى بيت من طين وحجر ثابت في المكان. البيوت الثابتة شكلت مكاناً يأخذ شكل المدن الصغيرة بكل أنماط حياتها، لكن المدن الصغيرة هذه، والتي اتسعت مع الأيام، احتفظت باسم المخيم.

الكلمة لم تعد تتطابق مع الشيء، وتدل على شيء، هو في الواقع، لا يتطابق مع معنى الكلمة.

لكن وعي الفلسطيني بالمكان ظل وعياً بالمخيم، فاحتفظ، بفضل وعيه بالمكان المؤقت بروح المكان - المخيم، أي بالبيت العابر بوصفه منصة انتظار العودة إلى بيته الموجود في بلدة معلومة الإسم، ومدينة تعرفها الذاكرة وكتب التاريخ: بيسان طبريا، يافا، إلخ …

يصبح مكان الإنتظار هذا حميماً لأنه مكان انتظار، ويضج بأسماء المكان الدائم.

فمخيم اليرموك صار فلسطين الصغرى،هنا يافا، هنا عكا، هنا صفد، هنا لوبيا، هنا، هنا، هنا، هنا تسكن فلسطين بكل الحنين القار في نفوس أبنائها. فيُخلق الترابط بين فلسطين الكبرى التي اغتُصبت وفلسطين الصغرى المنتظرة. ترابط يؤكد هوية الإنتماء ويحافظ عليها من البـِلى.

يبني الآخر، من كل أنواع الآخر الذي يناصب الفلسطيني العداء، علاقة كارهة بالمخيم الدكتاتور الحاكم ملكاً أو رئيساً والمغتصب المحتل يكرهون روح المخيم ويضمرون شعوراً بنفيه. فالمخيم روح التمرد والبقاء في الأمل.

روح الفلسطيني في المخيم تنتقل معه أينما حل، بل وتسري في أهل البلدان، فتُغضب هذه الروح النفوس الآسنة، فتذهب إلى كل ما من شأنه محو المخيم من العالم الذي يحتلون ويحكمون، من مخيم البقعة إلى مخيم تل الزعتر، من مخيم الجلزون إلى مخيم اليرموك وما بينهم.

إن قتلهم المخيم لم يتم بعودة الفلسطيني إلى المكان الذي صنع اللجوء منه المخيم بل قتل مكان الإنتظار بكل دلالاته الرمزية وقتل الذاكرة الوطنية بالمكان الأصلي،وقتل روح الجماعة المتكونة في زمن الإنتظار.

يسطر التاريخ تراجيديا بطلها المخيم، غير إن موت البطل في هذه التراجيديا لن يكون إلا بولادة البطل في تلك الأمكنة من فلسطين حيث حيث تتوحد الأسماء بأشيائها الحقة، ورح المخيم عصية على الفناء إلا إذا عاد المكان إلى أهله وعاد أهل المكان إليه.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات