أطلقوا سراح الحرية

سمى آباؤنا وأجدادنا الاستقلال الحرية وهو تعبير أعمق وأدق يشمل رفض النظام الاستعماري الذي صادر كل شيء، من الكرامة إلى الملكية، من خلال مصادرته للحرية، وفي أهازيج الآباء والأجداد وقصائد الشعراء والأغاني كانت كلمة الحرية هي الطاغية خلال سنوات الثورة التي انتهت إلى استعادة السيادة الوطنية بعد ليل طويل من الاستعمار.

عشية هذه الذكرى تعودنا كل سنة على تخليد مآثر سادتنا الشهداء الذين ضحوا بكل شيء من أجل الحرية، حرية شعب قاوم الاستعمار بلا توقف، لكننا منذ سنوات أصبحنا نتذكر مئات الجزائريين الذين يقبعون في السجون بسبب آرائهم وانتقادهم للسلطة الحاكمة التي لم تكن سياساتها منذ الاستقلال التجسيد الأمثل لهذا المنجز التاريخي والثمين للشعب الجزائري.

نعم، منذ سنوات صرنا نخصص عيد الحرية للدعوة إلى إطلاق سراح سجناء الرأي الذين لا تعترف السلطة بأنهم كذلك، ومرة أخرى سنضطر إلى التذكير بأننا لا نعيش في بلد الحريات الفردية والجماعية، وأن الشعب لا يختار حكامه بإرادته الحرة، وأن الرأي المخالف محظور، والإعلام غير حر، وممارسة السياسة أمر محظور أيضا، وأن الكلمة الحرة تقود إلى السجن.

قبل أيام من ذكرى الحرية كانت أحكام بالسجن قد صدرت في حق جزائريين بسبب آرائهم، وعشرات آخرون ينتظرون المحاكمة، وقبلهم كان آخرون قد قضوا سنوات رهن الحبس المؤقت قبل أن تقضي محاكم ببراءتهم، وقبل أيام أيضا كان وزير عدل سابق يقبع في السجن يحاجج القضاة بأنه قضى ست سنوات في السجن ولا يفهم لماذا يبقى فيه لمزيد من الوقت، بالنسبة له الأمر متعلق بإرضاء الرأي العام، لكن الوزير نفسه كان لا يستمع إلى صرخات مسجونين آخرين كانوا يرددون نفس الكلام عندما كان هو يحتكر تفسير الحق والقانون.

لم يعد غريبا أن نسمع جزائريين يصفون بلادهم بأنها سجن كبير، عشرات منهم أو مئات، لا نعرف العدد بدقة، ممنوعون من السفر دون علمهم، كثير منهم اكتشفوا الأمر صدفة عندما كانوا يهمون بركوب طائرة في مطار ما أو عبور الحدود البرية، ثم هناك هذا اللجوء إلى الحبس كحل وحيد لكل مخالفة مهما بدت لا تشكل خطرا على أمن المجتمع أو النظام العام، ويضاف إلى ذلك نظام الرقابة القضائية الذي يكاد يتحول إلى عقوبة يعيش تحت وطأتها العشرات أو المئات، مرة أخرى لا نعرف الأعداد لأن الخوف يدفع كثيرا من الناس إلى البحث عن حلول بعيدا عن الضجيج خشية أن يكون التضامن سببا في مضاعفة العقوبة أو تعقيد الوضع.

تعرض نظام الحكم لامتحان عسير فاتخذت السلطة تدابير استثنائية على رأسها الإفراط في الحبس والمبالغة في العقاب، ومع مرور الأيام تحول الاستثناء إلى قاعدة، تماما مثلما بقيت حواجز أمنية ثابتة منذ أكثر من ثلاثين سنة ونحن الذين كنا نعتقد أنها وضعت بسبب ظروف التسعينيات، ومثلما تحول الاستنفار كل جمعة إلى قاعدة رغم مرور سنوات دون تنظيم مظاهرة، واليوم يتحول التضييق وإسكات الكلمة الحرة إلى قاعدة ثابتة تعكس، ويا للمفارقة، هشاشة السلطة التي تعتقد أنها بالقمع تتحكم في الوضع أكثر.

لقد تم تعديل القوانين لتصبح أكثر صرامة، ولتفتح أبوب السجون لتغييب مزيد من الأشخاص الذين يطالبون بالحرية، أو الذين يجرؤون على القول بأن البلاد لا تسير على طريق آمن وأن السياسات لا تأخذنا نحو الازدهار وضمان المستقبل أو حتى نحو الحفاظ على الاستقلال، وبكل تأكيد فإن في القوانين منافذ لتكييف تهم وقضايا بشكل يجعها تبدو وكأن لا علاقة لها بحرية الفكر والرأي والتعبير.

لا يهم ما يقوله رجال السلطة، فقد يصبحون غدا في موقع آخر ويغيرون آراءهم كما حدث للطيب لوح، ولا يهم ما يقوله خصوم السلطة الذين يعارضونها، فهم أيضا مرشحون لتغيير المواقع والمواقف كما حدث مرات كثيرة، لكن الذي يهم هو شعور عامة الجزائريين وهم يزنون كلماتهم قبل أن ينطقوا بها أو يكتبوها، يهم كثيرا هذا الخوف من السجن دون ارتكاب جرم، ويهم كثيرا هذا الشعور بالتوتر أمام أعوان شرطة الحدود ساعة المغادرة، فقد يكون منشور قديم منسي أو شعار مرفوع في مظاهرة مضت عليها سنوات سببا في عقوبة غير معلنة.

يهم كثيرا أن الجزائريين يقرأون مراسيم العفو ليجدوا أن أصحاب الكلمة والقلم والصادقين في النصح للحكام يتم إقصاؤهم من العفو، ويجري تحويلهم، وهم الأقلية، إلى عبرة لردع الأغلبية الساحقة التي يجري دفعها نحو الاستقطاب والتضامن الانتقائي مع المعتقلين لينتهي الأمر بتبرير الحبس كقاعدة للتعامل مع كل من تصنفهم السلطة "معارضين" أو "مشوشين"، وفي النهاية يقف الجميع في طابور طويل ينتظر حصته من الظلم والقمع.

ما يجري لا يليق بالجزائر، ومصادرة الحرية هي قتل للاستقلال لو كنا نعقل.

الحرية لكل معتقلي الرأي تحت كل العناوين والتهم، وعاشت الجزائر حرة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات