علم الاجتماع ، التنمية البشرية و الدفاع النبيل عن العلم و المهنة

Photo

اطلق ما اقدمت عليه وزارة التعليم العالي من احداث شعبة "التنمية البشرية و القضايا الاجتماعية " التي صدرت ضمن دليل التوجيه الجامعي الجديد، جدلا حادا سواء لدى طلبة علم الاجتماع أو لدى المشتغلبين بهذا العلم بحثا و تدريسا بل انخرط في هذا الجدل مختلف النخب العلمية وهذا مؤشر جيد يبرهن مرة أخرى على أهمية العلوم الانسانية و الاجتماعية في سياقات تشي بالتحرش بها و رغبة التخلص منها لفائدة نزعة براقماتية تضيق بهذه العلوم و ترى فيها ارباكا و هدرا لا فائدة منهما .

لا شك أن الأمر أعمق من هذا الحدث الطارئ فأزمة هذا الاختصاص و تحديدا أزمة خريجيه ظلت متواصلة منذ بعثه الذي تزامن مع تأسيس الدامعة التوسية سنة 1959 ...و ظلت أجيال متعاقبة تتكيف مع " سوق الشاغل و عروضه" اضطر البعض للتدريس (في غير اختصاصهم ) و اضطر البعض للاشتغال ضمن قطاع الوظيفة العمومية : التربية ، الثقافة الخ .

في حين اندفع البعض الىآخر الى القطاع الخاص و لا زال الأمر قائما الى حد الآن في ظل تواصل الأزمة و استفحالها . و هي أزمة شملت تدريجيا خريجي مختلف اختصاصات العلوم الانسامية و الاجتماعية ..بل تعد بطالة خريجي علم الاجتماع اقل حدة من بطالة بعض الاخاصاصت الاخرى حسب الاحصائيات المتوفرة حاليا.

غير ان ما يجعل الأزمة ذات مذاق خاص لدى طبتنا هو افتقاد "قانون أساسي خاص "على غرار زملائهم اخصائي علم النفس . لذلك ظلت مسالة المكانة القانونية statut للشهادة و المهنة تؤرق اجيالا ناضلت عقودا دون جدوى.

ردود الافعال كانت رغم صدق حماسها و غيرتها على الاختصاص تحتوي الكثير من الخفة العلمية و الاييولوجية بل ارتكبت اخطاء علمية لا تليق .

يذهب البعض الى اتهام التنمية البشرية بالشعوذة وهو لا يعلم ان مصطلح النمية البشرية قد ظهر في العشرية الاخيرة من القرن الفارط و تحديدا حين تبنته الامم المتحدة و افردته بتقرير سنوي على خلفية ان التنمية ليست عملية اقتصادية بحتة لذلك اضافت اليه أبعادا اخرى : الأمن ، البيئة ، التربية ، الصحة الخ بل صاغت له مؤشر كمي دقيق هو IDH مؤشر التنمية البشرية ... و قد صدر أول تقرير للتمية البشرية( الانسانية) في المنطقة العربية سنة 2002 و لا زال هذا التقرير يصدر سنويا ...

و من بين مؤلفيه ثلة من المختصين المرموقين في العالم العربي : اسامة الخولي ، جورج قرم ، نادر الفرجاني ، محمد جواد رضا ، هدى رشاد و غيرهم وهم من خيرة المفكرين العرب تنويرا و عقلانية ( ذهب البعض الى اعتبار التنمنية البشرية شعوذة و أخونة ؟ ) يعد تقرير برنامج الامم المتحدة الانمائي حول التمنية البشرية او التقرير العربي من اهم الادبيات الأممية التي تنتظرها الجماعات العلمية و المنظمات الدولية المانحة و راسمي السياسات العمومية .وغيرها ضمن تقليد دولي يعطي قيمة عليا لهذه التصنيفات …

في تونس تم الاستيلاء على هذا المصطلح من قبل" منتحلي صفة" و شوهوه و ابتذلوه و جعلوه سلعة شبهة. غير ان هذا السطو لا يجيز لنا ان نعاقب المصطلح بل و المعرفة التي تراكمت حوله . من حقنا ان نرفض الحاق المعرفة السوسيولوجية بهذا الحقل اي حقل التنمية البشرية و لكن من العيب انكار التنمية البشرية …

شاركت في منتديات دولية في السنوات الأخيرة ( ايطاليا ، فرنسا ، بلجيكا ، المانيا .... تركيا ....) الامر تقريبا يشبه ما يعيشه اختصاص علم الاجتماع ببلادنا : ازمة مركبة ، ابستيمولوجية في ظل علم بلا مجمتع sociologie sans société ن تحلل حقله و تشظيه ، معارك حدود مضنية مع حقول مجاورة تضايقة و تسطو عليه او يسطو عليها ، سوق شغل يحتاج الى معرف اجتماعية غير تقليدية : هي ربما الخبرة الاجتماعية expertise sociologique او تدخل اجتماعيintevention sociologique او اشكال هجنية من الوساطة السوسيولوجية médiation sociologique.

الدفاع عن المعرفة السوسيولوجية وعن اختصاصنا و عن " مهننا" واجب ولكن علينا أيضا ان نبتكرها و نجدد كفاياتها .

للتوضيح : منذ أكثر من عشيرن سنة تاريخ التحاقي بالتعليم العالي لم أعين مرة واحدة عضوا في اي لجنة استشارية او قطاعية او لجنة انتداب ,... و لن احرص على هذا ... مكتفيا بتدريس طلبتي و تاطيرهم و مناقشت مختلف اطاريحهم .

دافعوا عن علم الاجتماع و لكن لا ترتكبوا اخطاء لا تليق بنا .

هذا مجرد موقف شخصي .

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات