المكبوت يأبى أن يظل حبيسا:

الاستهجان العام الذي أبداه الشارع التونسي من تصريحات الوالي ، حول المدونين ، جعل الوالي يكتب على الفايسبوك توضيحاً من باب رب عذر اقبح من ذنب.

إن سيڨموند فرويد كشف منذ زمن بعيد ، أن المكبوتات تأبى إلا أن تظهر في لحظات اللاوعي ، أو في لحظات الإنفعال الشديد . وهنا لم تكن تصريحات الوالي ، الا تعبيراً صادقاً عن عقلية منظومة الانقلاب ، التي تؤمن حقيقة لا أماني ، بالراي الواحد ، والصوت الواحد ، والفكر الواحد.

وهذه المسخرة التي تفوه بها الوالي في نوستالجيا دفينة للعهد النوفمبري ، لا تفوقها الا مسخرة تصريح قيس سعيد ، بأنه ينوي أن يكون النائب العام ، وهو ما حدث بالفعل ، في خلط لم يشهد له التاريخ مثيلا في الجمع بين السلطة القضائية والتنفيذية ، وفي طريقه إلى وضع يد على السلطة التشريعية في برلمان الدمى القادم .

إننا أمام حقيقة مذهلة ، تتجلى آثارها ماديا في المحاكمة النسقية الممنهجة للمدونين والصحفيين و المعارضين السياسيين ، ويكفي أن يحاكم البروفيسور أبو يعرب المرزوقي من أجل رأيه فقط ، وليس له حزب سياسي أصلاً ، حتى تعلم إلى أي مدى تجاوزنا مرحلة الامنيات إلى مرحلة التنفيذ .

لكن الجانب المضيء في تصريح الوالي ، هو اعترافه الصريح ، بأن هذه الصفحات المجانية التي ربما نحتقرها ، تحرق أعصاب المنقلبين ، وترعبهم ، لذلك لم يفتأوا منذ الانقلاب يشتمون المدونين ، وليس أحط من وصفهم بكلاب السوق ( وهي عبارة غاية في القذارة في العقل الجمعي ،)-

الاعتراف الثاني المهم من والي ممثل سلطة الانقلاب ، هو ضيق صدورهم من أي صوت حر ، أو نقد ، وهي من المعيقات التي اعتادها الشعب التونسي طوال عشر سنوات ، ويصعب على الانقلاب اسكاتها أو السيطرة عليها.

لقد قلنا ومن سنة تقريباً ، أن من سذاجة المنقلبين ، هو حنينهم المفضوح لنظام الكبت القديم ، وهم لم يدركوا فعلاً ، أن في النهر قد جرت مياه كثيرة ، أقلها نزع القداسة عن السلطة أو كما يحلو لهم تسميتها ( بهيبة الدولة) - لأن هيبة الدولة ، الحقيقية ، هي باختصار ، حفظ كرامة مواطنها ، والحضور إلى جنبه حيث كان في العالم.

إما هيبة الدولة بالمفهوم النوفمبري ، فقد ماتت إلى غير رجعة ، وهو الدرس المنسي من ثورة 2011. يكفي أن ترى شابا في جرجيس يخاطب الأمن بوجه مكشوف = أطلق علي الرصاص ، فلن أبرح هذا المكان ، ولو ارديت قتيلاً ، وفي مشهد فرار والي مدنين ، كما النعامة …

لذلك ، كل إجراءاتكم الفاشلة ، في محاكمة المدونين واصحاب الفكر المخالف ، و تحويل وجهة الناس عن ورطتكم التاريخية ، لن تفيدكم في شيء …

لذلك ، سواء أخرجتم ما في صدوركم من ضيق ، أو أكننتموه ، فليس هذا حلا أبدا ..

تونس باختصار في حاجة إلى ورشة حقيقية لاستشارة شاملة بين كل أطيافها وهياكلها واحزابها ومثقفيها و لا تستثني أحداً ، وإلا فالسيل قادم لا محالة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات