هل يتحول سعيد الى مستبد ؟

- الإنسان بطبعه ميّال إلى "الأنــا"

- الإنسان بطبعه يسعى لفرض آرائه

- الإنسان بطبعه يتمنّى لو تسير الدنيا، كل الدنيا حسب مشيئته وحسب أهوائه وحسب غرائزه…

لذلك أن تكون ميّالا للتسلّط وللحكم الفاشي أو النظام الاستبدادي، تلك مسألة بديهية منتشرة عند أغلبية البشر وغاليا ما تجد سهولة في الانتشار العلني وفي التجاوب الجماهيري.

إنما أن تتقبل الآخر كما هو وتقبل أن يكون له الحق في الوجود وفي التعبير وفي المنافسة كما هو شأنك فذلك ليس في متناول الجميع، بل يتطلب وعيا نوعي ومجهودا متواصلا للتغلب على الغرائز المترسّبة وعلى السائد المحنّط وعلى المخزون المتكلّس.

أي أن تخرج عن دائرة الثقافة المنتشرة من حولك وتقوم بصراع مرير وعسير ضد الأمراض الكامنة وربما يطول المخاض وتنتكس محاولاتك، مرّة ومرّات، حيث أنّ الثقافة السائدة، بما في ذلك الرواسب النائمة في خلاياك، كلّها تقف حجر عثرة وسدّا منيعا ضد اجتهادك وضد محاولاتك…

لذلك وجب الصبر والعزيمة والإرادة والمثابرة، أي وجب عليك أن تعطي للوقت قليلا من الوقت هو الآخر. لذا لا يوجد أيّ داع للاستغراب ممّا نرى وممّا نسمع وممّا يدور حولنا.

كما هو معلوم للجميع فإنّ رئيس جمهوريتنا لا يختلف إطلاقا عن عامّة المتساكنين، له نفس ثقافتهم ويحمل نفس غرائزهم ونفس التكوين السوسيولوجي... هو يعتقد جازما أنّه على حق فيما يفكر وفيما يقول وفيما ينوي فعله... هو يرى أنّ القوّة الإلآهية أوصلته إلى حيث هو الآن كي ينفّذ ما يحمله من قناعات ورؤى وبرامج.

أن تكون تلك الرؤى منطلقة من فكر استبدادي وأنّ البرامج المستمّدة منها هي الأخرى تبني للفاشية فهذه لعمري حقيقة بديهية تتماشى تماما مع المخزون ومع الممارس ومع السائد.

هنا يطرح السؤال المركزي لهذه الظاهرة المعروفة:

- هل بإمكان قيس سعيّد تنفيذ ما يعتزم تنفيذه؟

قبل الإجابة علينا العودة سريعا إلى الماضي القريب ولمثل عاشته أغلبية مجتمعنا، إذ نتذكر جيّدا أن "الزين بن علي" حين هرب كان يمثّل الرئيس المستبد. إنّما لا بد وأن نذكر أنّ ذلك الرئيس المستبد لم يكن مستبدا يوم السبت 7 نوفمبر 1987..أبدا... بل كان في نظر الأغلبية الساحقة "منقذا" و "رجل مصلح"و" هدية من السماء" و"صانع التغيير"الخ الخ…

والبيان الذي أتى به، الذي سمّي ب"بيان 7 نوفمبر" كان بمثابة عصا موسى عند أغلبية الأغلية وبالطلاسم الفاتحة لكل الأبواب الموصدة نحو الجنّة الموعودة.

تطلّب تركيز استبداده أكثر من سنتين... لماذا كل تلك المدّة والحال أنّ جميعهم-شعب ومعارضة، جاهل ومتعلّم،كلّهم وراءه يلهثون، باستثناء أعدادا قليلة لا يكاد المرء يرانا بالعين المجرّدة؟

لنذكّر أنّ بن علي كان وزيرا أوّلا لبورقيبة ووزير داخلية في الآن نفسه وعضو في الديوان السياسي لحزب بورقيبة الحاكم في البلاد وفي كل دواليب البلاد... وبالإضافة لذلك صعدت في الأيام الأولى من انقلابه على ولي نعمته أصوات تزعم أنّها ستبعث " حزب الرئيس"…

إلاّ أنّ دهاء بقايا نظام حزب بورقيبة سرعان ما التفوا عليه وأقنعوه بضرورة البقاء داخل الحزب الدستوري بهياكله ومقراته وتراثه وإطاراته وماضيه وخيوطه المنتشرة في كلّ زقاق مع إمكانية تغيير الاسم. بالفعل سقطت دعوى" حزب الرئيس" وتحوّل "حزب الدستور إلى التجمع الدستوري".

إذن ورث الزين بن علي قوّة حزبية مهيكلة وآلافا من الإطارات الإدارية المهيمنة على كل دواليب الإدارات.. ثمّ أضيف إلى تلك الجوقة المهيكلة الانتهازيون الحدثوت الراقصون وراء كل الجوقات وعدد من الثقفوت الوصوليين المدعين التقدمية والحقوقية.

وباعتبار أنّ الرجل قادم من سلك الأمن، إذن هو على اطلاع واسع بحقائق ألائك المتملقين المطبلين والمبندرين فأحسن استعمالهم وإدارتهم لخوض المرحلة الثانية لانقلابه حيث فعّل عنصر الترغيب والترهيب، والطمع والامتيازات.

وبالفعل بعد أن أقحم العديد منهم في الوظائف المغرية خرجت الألسن لاهثة تطلب البعض منها، هي الأخرى، ممّا زاده قوّة ويسّر له الطريق حيث لعب بدهاء في استعمال التناقضات بين كل الطامعين الانتهازيين البائسين.

وحين بدأ يشتد عوده ويضمن بقاءه بدون منازع جدّي له، حينها بدأ ينتقل تدريجيا نحو التصفية ونحو الاستحواذ على البلاد والعباد وممّا سهّل له ذلك العوامل الإقليمية كالحصار على ليبيا لمدّة ثلاثة عشر عاما والحرب الأهلية الجزائرية التي دامت عشرية بحالها تمكّنت البلاد خلال تلك الفترات من انتعاشة اقتصادية غير مسبوقة( عشرات الآلاف من المليارات) نزلت على النظام بردا وسلاما حيث كوّن بفضلها عصابات التهريب للبضاعات المصدّرة إلى الشقيقتين المنكوبتين كما كوّن بفضل تلك الأرباح العائلات المافيوزية التي احتكرت الاقتصاد الموازي الذي دمّر، بدوره، الاقتصاد الوطني إلى يوم الناس هذا.

ثمّ لا ننسى أيضا أنّ نظام الزين بن علي انتعش في وضع عالمي اتسم بسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي وبحرب البلقان التي دمّرت يوغسلافيا وبحرب أفغانستان وكذلك بالحربين المدمرتين للعراق.

في خضم تلك الأوضاع العالمية الكبرى وفي إطار لعبة المحاور وصياغة رؤية جديدة للعالم أغدقت المؤسسات المالية الغربية على البلاد مساعدات مالية ضخمة عرفت بمساعدات من أجل الإصلاح الهيكلي :الــ" PAS"

تمكّن النظام بفضل تلك المساعدات( عشرات الآلاف مز المليارات هي الأخرى) من الحصول على دعم مالي تحاوز ضعف ما تحصلت عليه دولة " البرتغال" وأكثر بقليل ممّا تحصّلت عليه دولة "اسبانيا"..(اللتان بفضل تلك المساعدات تمكنتا من الدخول للقرن الواحد والعشرين. وتمكّنت تونس من الغرق في هاوية التداين بفضل نهب وجشع وفساد الطغمة النوفمبرية الحاكمة).

بحيث خلاصة القضية لم يتمكن "الزين بن علي" من إرساء نظام استبداده إلاّ بتوفّر عاملين أساسين:

-1- داخليا وجود حزب مهيكل مجرّب ومتوغّل في كل مكان ماسك بدواليب ما يسمّى بالدولة ومعه حزام من الكوادر الفعلية بمباركة المعارضات الشبه جدية والكرتونية.

-2- مساعدات مالية كبيرة سمحت للمستبد بإسكات الأفواه عن طريق الغرب ونتيجة أزمات الشقيقتين المجاورتين…

بهذه اللمحة السريعة والبرقية عن التجربة الاستبدادية النوفمبرية التونسية المحضة يمكننا الإجابة عن السؤال المطروح آنفا حول إمكانية استبداد قيس سعيد من عدمه…

لكي نجيب علينا بطرح سؤال:

- هل تتوفّر لسعيد الشروط الضرورية التي توفرت "للزبع"؟؟؟

المستبد ليس فقط من يؤمن بالاستبداد كوسيلة... الفاشي ليس من يؤمن بأنّ الفاشية هي طريق الخلاص...الخ الخ أبد...الاعتقاد وحده لا ولن يكفي ، إطلاقا...لا بد من توفّر عوامل داخلية وعوامل خارجية لنجاح تلك المشاريع القروسطية.

أعتقد وبدون إطالة أنّ الجواب هو :لا..

بكل صراحة وبدون مبالغة أعتقد:

-أ- أنّ سعيد محاط بحثالة ما تبقى من حثالة النوفمبريين ومتقاعدي مخابرات النظام المنحل.

-ب- أنّ سعيد يسانده جمهور مقهور ناقم مترقب يائس…

-ج- أنّ سعيد يعيش في قصر ملغّم تسكنه كل التناقضات المنتشرة في الشارع التونسي من :

"تحالف الحدثوت الهائم والصباحية عتاة الفساد مع اقصى أنواع الشعبوية برعاية ائلات المال والريع القروسطي"(منقول).

-د- أنّ سعيد على رأس شعب عاش عشر سنوات لا حدود للحرية فيها، خلافا لمصر السيسي المنقلب هو الآخر"…

-ه- أنّ سعيد يسانده جيل يفوق المليون بين 18 و20 عام فتح عينية في الحرية وملّ من الوعود الكاذبة ومن اللخبطة الفولكلورية لمن حكموا البلاد ومن العشوائية والارتجالية.

هذا الجيل لا ولن يغفر له إذا شعر أنّ الضوء الذي رآه ليلة 25 جويلية ليس بالضوء الواعد إنّما هو جزء من جحيم جهنّم.........

-و- أنّ سعيد سيحكم بلادا غارقة في التداين للنخاع…

ومهما تلقى من مساعدات إمارتية- سعودية( مع العلم أنّهم لا يساعدوه الاّ بشروطهم ... شروطهم التي ترفضها الجزائر رفضا قطعيا).

لذلك لا ولن يتمكّن من سداد ما يجب سداده قبل الحديث عن ضرورة توفير لقمة العيش لشعب ينتظر.. ينتظر، ولكنّه هذه المرة لا يغفر ولا يسامح…

-ز- أنّ سعيد حكمت الظروف أن يدخل قرطاج بالقانون ومهما حاول الانقلاب على القوانين فإنّه في النهاية لا ولن يتمكّن من الخروج لأنّه ببساطة أسير القانون الذي بدونه يجد نفسه في الخلاء وراء جامع " العابدين" ولا من مغيث... حيث سيتخلّى عنه الجميع وأوّلهم من دفعوا به في أتّون المغامرة المولودة ميّــتة.

يضاف لكل ما ذكر ألاّ ننسى أنّنا نعيش اليوم القرن الواحد والعشرين... قرن الثورة العالمية الثالثة...:

-الثورة الرقمية التي هي بصدد تحطيم العلاقات العمودية، كل العلاقات العمودية سواء الاتصالية أو الحزبية أو السياسية أو الاقتصادية الخ الخ ..تحطيما كاملا…

لهذا ولغير هذا أنــا ضد الانقلاب.


Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات