رحم الله أستاذ الجيل هشام جعيط وألهمنا لنتخذه قدوة.

من أهم ما شدني في مساهماته الميزة أن مقاربته القضايا المصيرية، الحضارية منها والثقافية والدينية إلتزمت على الدوام بشروط العمل العلمي ومتطلباته النقدية وبخيار الإستقلال بالتفكير عن أية جهة أو مرجعية،


…

ماجعله يفعّل أدوات الحداثة الفكرية كعلوم التاريخ و علم الإجتماع والأنثروبولوجية والألسنية ليقدم مقترحات علمية في غاية الجرأة حول أكثر المسائل حساسية ومصادمة للبديهيات وللمحرمات، على غرار السيرة المحمدية وإشكاليات الوحي والنبوءة. ولكن جعيط إتخذ في ذلك موقعا مباينا للمثقفين الذين حولوا الحداثة إلى خطاب دعائي وأفسدوا المعرفة لما خلطوها بالإديولوجيا، فحوّلوا النقد المستنير للموروث إلى مشكلة مع الإسلام (دون غيره من الديانات) كما جعلوا من فلسفة التنوير وحقوق الإنسان سلاحا لهدم الهوية وإنكار الذات.


…

وقد كان لهشام جعيط شرف ترؤّس بيت الحكمة، إلّا أن الحكمة بعد مروره غابت عن إدارة هذه المؤسسة التي أصبحت منذ سنوات محكومة بمواقف وإصطفافات إيديولوجية محضة، وعلى حساب الإعتبارات العلمية أي التميز العلمي الذي يفترض أن يكون المعيار الوحيد للإنتماء إليها ولتسييرها.

محنة أخرى من محن تونس لا صبر لنا عليها إلاّ بالمثابرة على النهج الذي إختطه هشام جعيط: إستقلالية في الفكر وشجاعة في التعبير عن الرأي والنقد مع "الوفاء التاريخي" للذات الحضارية ( العبارة لمحمد عابد الجابري ) والرصانة في التعاطي مع القضايا المصيرية للأمة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات