"نبِّني قـيس ما الذي لكَ في البيدِ مِن وَطَرْ؟"

Photo

لم يلفت قيس سعيّد أنظار التونسيين إليه في البداية إلّا بعربية فصيحة سلسة يتكلّمها دون توقّف ّ بنبرة واحدة لا تتغبيّر.عربيّته تستفزّ فرنكفونية سائدة لدى فئة سياسية مهيمنة وحداثتها المغتربة عن المكان وكان أن اتّهم بالرّجعيّة بل ونسب إلى السلفيّة.

لغة قيس السعيّد مفردة جديدة خارج اللغة السياسية المألوفة والسّائدة والتي انحازت بسرعة بدعوى الاقتراب من الشّعب وكسب ودّه إلى توظيف الدارجة فصار جلّ السياسيين يتحدّثون اللهجة العامية بل يستعملون منها ما ابتذل بدعوى التبسيط لشعب لا يمتلك اللغة ويستبطنون حكما بالجهل عليه.

ولكن يبدو أنّ جزءا من الشعب علِق في شرك اللغة لقيس سعيد. لغة ترتفع عن الرداءة وتخلو من الغنائمية وثقافة التّفاهة المهيمنة وتعقلن وجودنا وتوحي بالمحافظة والانتماء في ضرب من التحصّن من عدوان ما ومخاوف هوويّة أرّقت التونسي.

إنّه يمثّل نوعا من الطمأنينة والثقة المفقودة والاستقرار وسط فوضى القيم والمفاهيم السائدة، ووسط صراعات غنائمية قاتلة. غير أنّ ما حيّر التونسي ولفت انتباهه أيضا التعبيرة الثابتة على وجهه والتي لا تكاد تتغيّر إلّا نادرا. سلندرمان تونسي كما في لعبة الأنترنيت الشهيرة.

رجل غامض بوجه أبيض مشع دون ملامح وبدلة سوداء وبنية نحيلة وأطراف طويلة. يطارد لاعبين ويقضي عليهم ويصنع الحدث ويحتلّ مواقع. وقيس سعيد طارد لاعبين سياسيين متمترسين بترسانة إعلامية ومالية بطريقته الهادئة وانتصر عليهم محدثا بذلك رجّة وذهولا. هناك رجل أعزل واجه ماكينة.

رجل بوجه غامض كما في الحكاية ولكنّه جادّ وهي جديّة تمثّل طمأنينة أخرى وسط التهريج السياسي، ومفردة أخرى جديدة بديلة عن وجوه استهلكت وملّها التونسي سريع الملل وغير الرّحيم مع الفشل.

في صورة انتصاره في الدور الثاني، سندخل مغامرة مجهولة لذيذة ومخيفة مردّها عدم وضوح أجوبته حول موقفه من الدستور وطوباويته أحيانا ولكنّها مغامرة تظلّ أفضل حتما من مصير أسود مع مافيوزي هابط اللغة والمعنى. ولا مجال للمقارنة مطلقا. لا مجال.

سأسأل الرئيس القادم ما سألته ليلى لقيس في مسرحية مجنون ليلى لأحمد شوقي: نبّني قيس ما الذي لك في البيد من وطر؟

سؤال في عمق السياسة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات