العفاس وويليام رايش والمطرودون

Photo

صوت العفاس المحافظ من حقّه أن يوجد ويعبّر عن نفسه تماما كصوت عبير المحافظ أيضا والذي لاعلاقة له كما يوهم بالحداثة وحرية المرأة. كلاهما يحافظ على رأسماله الرمزي الذي يخاطب به جمهورا يجد نفسه ويرتاح ويطمئنّ ويحقّق أفق انتظاراته في المواقف المتطرّفة واللاعقلانية أحيانا والقادمة من حضن التاريخ والمتخيّل معا.

جمهور يعيش المتخيّل بدوره أكثر من الواقعي. ذلك أنّ الحديث عن كرامة المرأة لا يمكن أن ينفصل في نظري عن كرامة الإنسان عموما وخطاب المرأة "الدرة المكنونة والجوهرة المصونة" تماما كخطاب المرأة "كألف رجل" أو " المرأة ونصف " كلاهما يستبطن استنقاصا للمرأة يتمّ تصعيده عبر التخييل ليعبّر عن تمثّلات للمرأة لم تستوعب بعد المفاهيم الحديثة للإنسان.

صعوبة استيعاب المفاهيم الحديثة للإنسان والمرأة خصوصا لا تتعلّق فحسب بالتيّار الديني المحافظ، بل تتعلّق أيضا بتيّارات حداثية ويسارية كشفت ممارساتها ومواقفها من المرأة وأدبياتها التي كتبها حداثيون أنفسهم عن امتهان يساريين وحداثيين للمرأة وعن رجعيّة فكريّة لم تكفّ عن اعتبار المرأة جسدا للمتعة وإن اتّخذت أشكالا جديدة وتهويمات بعد قراءات سطحية لويليام رايش وغيره ممن انتشرت كتاباتهم فترة السبعينات والثمانينات منادية بتحرير الجسد من قيوده.

هنا حدث الفصام التاريخي الرهيب داخل الشخصية العربية بين أفكار حداثية تحررية وبين واقع محكوم بقيم موروثة وعادات اجتماعية وسلوكيات متفق عليها. وهو فصام لانزال نجد صداه اليوم في مواقف مثقفين من المرأة وأيضا مواقف سياسيين ولعلّ أبرزهم المتاجرون برأس المال الرمزي للمرأة من دعاة حداثة لا تزال تبحث عن ذاتها وتبحث عمّن يمثّلها فعليّا ودون ادّعاءات ولا زيف أو شعارات ترفع في المناسبات أو للتوظيف السياسي الفجّ والمعربد.

المأزق إذن إن صحّت التسمية لا يتعلّق فحسب بمن يطلق عليهم: أصحاب الفكر الظلامي أو المتطرفون وغيرها من التسميات. إنّه يتعلّق بتركيبة ذهنية قد توجد في كلّ التيارات. تماما كما أنّ احترام المرأة ككيان قد يشمل أصحاب " الفكر الظلامي" وأصحاب " الفكر الحداثي " معا.

ففي ظلّ عالم معولم غزته قيم كونية بسرعة وقوّة مدهشة، صار الجميع، إسلاميا أو حداثيا أو يساريا، يربّي أبناءه تقريبا بنفس الطريقة تقريبا: احترام لحرية الفرد في حدود وإيمان بالمعرفة وانفتاح على الاختلاف. فضلا عن أنّ دستور الثورة قد حسم مسألة الحرية الفردية تقريبا.

أعتقد أنّ الخيط صار رهيفا جدّا إلى حدّ أنّ هذه التقسيمات قد تجاوزها التاريخ وهي بحاجة إلى المراجعة وإعادة النظر. ولم تبق سوى جدرانا قائمة في ذاكرة المحافظين الواقفين خارج التاريخ يمينا ويسارا ممّن لا يسعون إلى التقدّم.

إنّه التمسّك بأوهام المعارك القديمة سعيا إلى تحقيق " ضربات " سياسية تُرضي جمهورا يعيش خوفا من المجهول، وترضي أصحاب مصالح كبرى لا يلائمهم أن تتحوّل المعركة من وضعها " الأفقي" إلى وضع عمودي بين فئات مسلوبة الكرامة والوجود، وأخرى تحتكر الثروات والوجود.

فئات مسلوبة الوجود، تضطرّ فيها المرأة، المحجّبة المصونة، والسافرة المغوية (بالمناسبة الحجب والسفور كلاهما مغو، هكذا يقول الشعر العربي) إلى ركوب حافلات النقل اليومي المكتظة حيث المهانة، وإلى الاستغلال في المعامل والحقول والإدارات، وإلى الطّرد تماما كالأولاد من المعاهد حتى أننا وصلنا الآن قرابة تسعمائة ألف مطرود من المعاهد (قرابة المليون مطرود).

جيش في انتظار المزايدين.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات