" براكاج سياسي"

25 جويلية كان تاريخ انطلاق " براكاجات سياسية " عنيفة اعتمدت القوّة من أجل قطع الطريق على " خونة" أفسدوا في البلاد وانشغلوا بمعاركهم السياسية وبالبيع والشراء عن إيجاد الحلول لمعضلاتنا الاقتصادية والاجتماعية. لقد وجد الرئيس في رذالة عمل البرلمان مايبرّر "عنفه السياسي" الذي يمارسه فرديّا بمعول يعتقد أنّه "ربّانيّ" يكسر به صخور المؤسّسات الديمقراطيّة الهشّة بعضُها بما نخرها في الدّاخل من سوس المغانم والصّراعات.

ومن الوهم التفكير أنّ من يعتقد في معوله الرباني يمكنه أن يتراجع. إنّه سيوغل في الإجهاز على البناء القائم مدفوعا برغبة في القضاء على ما يسمّيه بعض أنصاره اليوم في حديثهم عن تجربة الانتقال الديمقراطي ب " المنظومة القديمة " أو "منظومة الفساد". وباسم الفساد يتمّ إسقاط السقوف على الجميع: الدستور والقانون والمؤسّسات التي سمحت بما فيها من تصدّعات بسقوط سقفها كمدرسة متداعية.

لقد اشتغل المعول دون توقّف مسرعا في قطع الطريق أمام الجميع هادما " منازل " الديمقراطية التمثيلية وها نحن اليوم أمام أطلال برلمان يقف نوّابه أمامه في "حنين" إلى أيّامه الخوالي. من كان يتصوّر هذا المشهد حين تحمّسنا في بدايات التجربة الديمقراطيّة للنظام البرلماني هربا من شبح نظام رئاسويّ متغوّل؟ إنّها التراجيديا التونسية !

لقد بدا الهدم سريعا إلى حدّ التخمين أنّ كلّ هذا مبرمج وأنّ البرنامج يتعلّق خاصّة بتغيير النّظام السياسي. إعادة بناء سياسي لا تبدو مضامينه الاقتصاديّة والاجتماعية واضحة ولا نملك منه سوى وعدا شحيحا برئاسة الفرد الواحد الأحد وسوى بناء انتخابي جديد لم يقع طرحه وشرحه وتفسيره للمواطنين وسوى بناء قاعدي يحتاج نقاشات واسعة ويحتاج أيضا أرضيّة اجتماعية وذهنيّة جديدة وتحرّرا من نزعات العائلة والعشيرة والجهوية والإيديولوجيا .

كان الهدم سريعا تماما كمن يريد الحصول على ما يريد بقوّة ودون المرور بالآليات التقليدية للديمقراطيّة القائمة أساسا على الانتخابات. فهل يعود هذا الإسراع إلى القوّة إلى عدم ثقة بشعب "الشّعب يريد" وبخوف حقيقي من عودة الخصوم الخونة عن طريق الانتخابات؟ وتبعا لذلك، ألا تسقط هنا مقولة " الشعب يريد" بما أنّ الشّعب "إرادات" لا يمكن أن تلتقي إلا في إطار ديمقراطيّ حقيقي، لتصبح المقولة شعارا أجوف يُلتحف به حتى نمرّر البناء السياسي الجديد؟ ألا يسقط مبدأ المشروعية أيضا؟

إنّ تحويل الوجهة السياسيّة بالقوّة يُدين المحوِّل لأنّه يفتح الباب لكلّ الاحتمالات الممكنة من انهيارات وبناءات جديدة هشّة ومتهاوية. لأنّها لم تقم على أساس العقل السياسيّ الجماعيّ المؤسّس وإنّما الفرد الانفعالي المتّكئ على القوّة.

كلّ ما يحدث يمكن أن يُزهر لو أوجدنا العقل السياسي الجماعي المُتجاوز الذي يفتح طريقا وسط الألغام ليعبر نحو الضفّة الآمنة.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات