المتعجّلون

" يا رئيس فيق فيق خرّج شعبك من ها الضّيق" من الشّعارات التي دوّى بها بوق عبير موسي أمام مقرّ فرع الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين وردّدته الأصوات النسائيّة الحاضرة العاوية والمرتعبة من الوحش الكامن في المقرّ والذّي ينام الرئيس ملء جفونه عن مهالكه.

في الآن ذاته، أقرأ، داخل مجموعات لا أدري من أدخلني إليها وابتلاني بها ( لعلّها كانت تحمل عناوين أخرى ) دعوات أخرى ملحّة إلى الرّئيس بأن " يفيق" وبأسرع وقت ممكن الآن الآن وليس غدا فالأمر يتعلّق بالأمن القوميّ والخلاص في أن ينهض الرئيس من نومه الذي طال نهضة واحدة ويسرع دون تردّد إلى محاسبة الاخوان والقضاء عليهم مرّة واحدة، دون قضاء ودون محاكمات عادلة.

ممّا قرأت: "نطالب رىيس الجمهورية فورا بالاذن للقوات العسكرية والامنية ببداية التحرك والتحفظ عليهم وفتح تحقيق في قضية تخابر اجنبي الهدف منه قلب نظام الحكم واحالتهم على المحاكم العسكرية ". نصوص مطولة مجهولة الهويّة والإمضاء تدعو إلى الانتقام وذوات فاقدة للعقل والتوازن تشحذ السّكاكين الطويلة لبدء عمليّة الذّبح بعد استفاقة الرّئيس الكبرى.

تحقيق الحلم مرتهن بيقظته فهو في نظرهم لايزال غافلا مالم يقبض على العصابة الاخوانيّة. خطاب متعجّل متشنّج لا يجد حلّا له غير المحرقة التي أشار إليها أحد يهود تونس الوطنيين والمؤمنين بالتعدّد والاختلاف والعيش المشترك متحدّثا عن محرقة قد تنتظر الإسلاميين هنا يدعو إليها بعض الموتورين. كان نصّ الكاتب اليهوديّ مارقا عن الخطّ السّائد منبّها إلى استراتيجيا المحق التي يدفع إلى تحقيقها مهوسون بالحكم والسلطة. استراتيجيا لن تفضي إلى غير الدّمار.

المجموعات التي أصادفها كلّما ولجت هذا الافتراضي تتكاثر وتحول الفضاء الى عوالم خانقة تتعدّد فيها السّرديّات الغريبة والإشاعات والأراجيف. وهي دوما متعجّلة لا يهدأ لها بال ولا يرفّ جفن مالم يأخذ الرئيس لها بثأرها من أعدائها. مناخات تجعلني أتساءل كيف وصلنا إلى هنا ومن أخرج الوحش من قمقمه؟ وكيف نجحنا بشكل مفجع إلى أن نغتال "العقل الديمقراطي" الجنيني، مقابل الإبقاء على "العقل" التسلّطي العجوز وإنعاشه ومن الذي حوّل هذا العقل التسلّطي إلى خلاص ولمن هذا الخلاص؟

هل أراده الشّعب حقّا؟

وكيف حدثت المراكمة التي قصمت ظهر الدّيمقراطيّة ؟

لا ريب أنّنا ندرك بعض الأجوبة خاصّة نحن من نقدنا عبثيّة ولاديمقراطيّة الأحزاب الحاكمة والمعارضة معا في منظومة ما قبل 25 جويلية، أحزاب ظلّت مرتهنة لأشخاص جاثمين عليها مدافعين عن بقائهم بالتوافقات والتحالفات العجيبة وأنصار مهسترين ووثوقيين إلى حدّ الإغشاء فصارت معاول هدم للتجربة وإعادة إنتاج للسيستام ومسؤوليتها تاريخية وجسيمة في خلق نكد سياسيّ جماعيّ ميؤوس منه. حالة اكتئاب جماعيّة هيّأت " الجماهير" للصّدمة الانقلابيّة الرّاجة.

والآن، وأمام هذا العبث الشّامل لدى الرّاكبين المتعجّلين على رجّة 25 جويلية والدّافعين إليها والمعوّلين عليها، هؤلاء الذين يحرّضون علنا على القمع وملء السّجون بخرق القوانين وتجاوز القضاء في خلط مقصود بين الفاسدين والأبرياء، لا همّ لهم سوى التخلّص من عدوّهم السياسي، والمندّدين الآن بالامبرياليّة الأمريكيّة ( لهم تاريخ طويل مع الامبريالية ) بعد أن أصبحت " أمريكا هي الطّاعون والطّاعون أمريكا"، من أجل التمويه على الطاعون الداخليّ الأعمق، أمام كلّ هذه السرياليّة، ربّما علينا أن نطرح بعض أسئلة المصير، وأن نفكّر في نوايا من يمدحون الرئيس ( بعد ذمّ ) مديح من يسعى إلى تحويله إلى آلة تحطيم لأعدائهم تمهيدا ل " ليلة السكاكين الطويلة".

من العبث أن نذكّرهم بالآليات الدّيمقراطيّة وبطرح البرامج والمشاريع. إنّهم تماما خارج العقل الدّيمقراطيّ، مسكونون بخرافة الوحش الكامن في المقر، ذلك الذي لا يفوق في خطره الوحش التسلّطي القابع في قبو اللاوعي الجماعي والذي تتمّ تغذيته يوميّا وتضخيم حجمه حتى يبتلع كلّ شيء جميل تمّ تأسيسه هنا، رغم العثرات الكبرى، والخيبات التي نلعق..

وسيبتلع أيضا كلّ من يفتح باب الهاوية على مصراعيه..

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات