قلب الذيب والقيمة المفقودة

Photo

لم أشاهد كلّ الحلقات، شاهدت تقريبا الحلقتين الأخيرتين بعد أن شدّتني قراءات مميّزة ناقدة للعمل، وأجد، في تقييمي المحدود والمنقوص نظرا لعدم مشاهدة كل الحلقات، أنّ المشكلة ليست فحسب في هشاشة الحبكة الدراميّة، وضعف السيناريو وبعض الأخطاء التاريخية التي سعى كاتب السيناريو إلى التعمية عنها بادّعاء ألّا صلة للعمل بالتاريخ،

بل أرى المشكلة في " التزليقات" التي تدفع إليها "ترضيات" على حساب التاريخ والحقيقة التاريخية، وإعادة ترتيب العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر في أذهان المتلقي الفاقد لمعرفة حقيقية ودقيقة بتاريخ الحركة الوطنيّة ودور المقاومة المسلّحة فيها، ترتيب جديد يستوي فيه المستعمِر بكلّ ما ارتكبه من فظاعات ووحشيّة وتعذيب واغتصاب وتمثيل بالجثث، مع ما يدّعي المسلسل من أنّ المقاومين قد ارتكبوه من تعذيب وتمثيل بالجسد،

ادّعاء يحوّل المقاومين في ذهن المتلقي إلى "داعش" قديمة ويعطي شرعيّة لما ارتكبه المستعمر مادام يأتي في إطار "تهذيب التوحش". وأجد بعض المشاهد، وخاصّة مشهد الأمّ الفرنسية الباكية، دافعة حتما إلى التعاطف معها، وهو تعاطف إن كنت أراه طبيعيا مع الإنسان في إطلاقيته باعتباره إنسانا في النهاية له حقّ العيش، إلّا أنّه في سياقه يعبّر عن رؤية ملتبسة لمفهوم الحقّ أو أريد له أن يكون ملتبسا. فكأنّما السؤال صار: من صاحب الحقّ في النهاية؟ أليسوا كلّهم وحوشا؟

قراءة التاريخ تيّن أنّ الفعل الاستعماري كان فعلا متوحّشا لا غبار عليه وهذا يمنح الشعوب حقّ المقاومة. ورغم ذلك فإنّ المقاومة حسب بعض القراءات التزمت القيمة الأخلاقية في التعامل مع عدوّها، وأنّ انتصارها كان "انتصارا أخلاقيا" أيضا، من خلال ما دوّن في واحدة من أعمق الردود التي قرات. وهو ما يدفعنا إلى السؤال عن الرسالة التي يسعى إليها المسلسل، وعن القيمة التي يرسّخها، والأثر الذي سيتركه؟

هل أنّ الغاية محو ساذج ل"أحقاد تاريخية" لاتزال تشتعل في كلّ مناسبة؟ وهي أحقاد لا يمكن إطفاؤها بعمل مهزوز وإنّما بسيادة كاملة، آنذاك فقط يمكن لنا أن نؤسّس لعلاقة جديدة متحرّرة من عبء التاريخ ومن ثقله الذي ترزح تحته نفوس كثيرة، لم تشف من جراح ماض يمتدّ على قرابة القرن.

جروح التاريخ لا تُداوى بالمغالطة، وإنّما بالحقيقة.

وهي القيمة المفقودة في العمل، رغم ما أظهره الممثّلون من قدرة نادرة، أنقذت قليلا المشهد الفرجويّ. ممثلون بارعون يحتاجون نصا بارعا.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات