2020.. وداعا أيّتها المخاتِلة!

Photo

لم تكن السنة التي تنقضي بعسر وتودّع أيّامها الأخيرة سنة عادية. ولا يتعلّق الأمر فحسب بالوباء الذي احتلّ العالم وكشف هشاشة وجودنا الإنساني وحاجتنا إلى أنسنة حضورنا في العالم، بل يتعلّق أيضا بنا هنا، على هذه الأرض الصغيرة، إذ كشفت السنة المنقضية هشاشة وجودنا السياسي، وبرهنت على أن لا وجود ل"أشرار" و "أخيار" في عالم السياسة، ولا ل"قدّيسين" و"فجّار" ولا ل"طاهرين" و"أرذال".

لقد جذبت السّنة معها، بقوّة تناقضاتها وعسر التحوّلات فيها، الكثير إلى القاع، وخاصّة من يرفعون شعارات الطّهارة. ولم ينجح في الصمود سوى كبار النفوس. لقد تبيّن أنّ "الثوريّة" تظلّ سرديّتنا المتخيّلة التي نحملها، نحن الناس، ونحيا بها. إنّها "حكاية كلّ الناس" لا غير.

نخبّئها في " شوننا" وندفئها بأحلامنا الشائقة إلى الوطن الجميل ونظلّ نتفقّدها كلّ مرّة لنتأكّد من أنّها لم تسقط من قلوبنا. أمّا حسابات السياسة، فهي بعيدة عن أشواقنا. إنّها حسابات قاسية أحيانا، تؤلمنا قسوتها لأنّها في مجملها حسابات لصالح "أوليغارشيا " لم تنفكّ عن السيطرة بالمال وأدوات أخرى وتقبض على أنفاس الكثير. لذلك اتّسع القاع للكثير من الواقعين في حضنها ممن لم يستطيعوا الثبات.

ولكن بقدر ما تكشّفت هذه السنة عن أزمة "وبائنا" السياسي والتحوّل الرهيب ل"السلالة" السياسية التي يبدو أنّ انتشارها أسرع من المتوقّع، فإنّها تكشّفت أيضا عن مناعة لدى الناس ضدّ الفساد وحكم الأوليغارشيا، تجلّى في نتائج الانتخابات الأخيرة حيث كان التصويت بتلك النسبة العالية تصويتا من أجل حلم مشترك لا غير هو حلم تونس دون قبضة الفاسدين، لقد كان تصويتا حالما.

حالما بنسبة السبعين بالمائة. المناعة تجلّت أيضا في حماس التونسيين، في بدء السنة المنقضية، لبناء الوطن وخروجهم طوعا لتجميله، وصولا هذه الأيام، إلى حملة " الأيدي النظيفة" والفرح الجماعي مع انطلاق عمليات الإيقاف ضدّ المورطين في قضايا فساد، رغم كلّ التشكيك الذي يموقع الحملة ضمن صراعات السياسة وقوى المال.

لقد كانت السنة التي يعتبرها البعض السنة الأسوأ، سنة مخاتلة، لقد أخرجت أسوأ ما فينا، ولكنّها، أيضا، أخرجت أجمل ما فينا، وكشفت " معدن" الناس الذي تختبره المحن والتجارب المُرّة والعسيرة.

ولن تكون السنة القادمة الجنّة ولا الجحيم، ولن تكون شرّا خالصا ولا خيرا خالصا. ستكون انتشارا لحقيقتنا الكامنة في كلّ تناقضاتها وشروخها وأوهامها. إنّها نحن كما نكون.

وسنفرح ونحن نرى الناس تحزن جماعيا لموت من أحبوا الوطن، مسلمين كانوا أو يهودا أو مسيحيين أو غير مؤمنين. وسندرك أن لا شيء يجمعنا غير الحب، وسنضحك دوما من مالكي الحقيقة الناطقين باسمها في كلّ مناسبة، وسنسعد بكلّ خطوة نخطوها نحو التأسيس لجمالية الاختلاف وحريّة المختلف. إنّه الرهان الأجمل حتى لا يشعر أحدنا بأنّه غريب على هذه الأرض.

وسنتألم ونحن نعاين تخبّط من لم يستطيعوا التحرّر من الوثوقيات والفاشيات والسلفيات بأنواعها يمينا ويسارا، وقد نكون من بينهم أحيانا، ونحن نرى أيضا تداعي من لم يستطيعوا الصمود ممن " عقدنا فيهم النوّارة"، أمام الجسم الفاسد الذي سينتفض مرارا ويرقص رقصته المتوحشة قبل أن يتحلّل تدريجيا أمام عنف الدولة العادلة (دون شعارات) وإرادة الناس الأقوياء بالأمل.


آمنت دوما بأنّه ممكن بلوغ المستحيل.

وسأنتظر السنة القادمة هذا المستحيل..

وإن لم يأت سأنتظر السنة التي بعد..

كلّ عام وأنتم الناس الذين أحب..

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات